نعيش هذا العام ولأول مرة ذكرى عزيزة وغالية على قلوبنا جميعًا هي ذكرى التأسيس و هو يوم اختارته المملكة العربية السعوية وخادم الحرمين الشريفين يحفظه الله لإحياء ذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى في عام 1139هـ الموافق منتصف فبراير/شباط من 1727م. هذا اليوم المجيد يحمل ذكريات كثيرة، تصل إلى حد التضاد، فمنها ما هو جميل ومنها ما هو مليء بقصص الخوف والفقر والمعاناة التي عاشتها أجيال الأجداد، ولكنها معاناة انتهت، بفضل الله ثم بحكمة الآباء والأجداد ونضالهم الدؤوب، وبفضل وحنكة قادة هذه البلاد آل سعود يحفظهم الله ويرفع شأنهم. هذه الدولة العظيمة عاشت صعوبات البدايات التي خاضها المؤسس الإمام محمد بن سعود لها قبل ثلاثة قرون باقتدار، وبدأت في منتصف عام 1139هـ (1727م) واستمرت إلى عام 1233هـ (1818م)، وعاصمتها الدرعية ودستورها القرآن الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. أرست هذه الدولة الوحدة والأمن في الجزيرة العربية، بعد قرون من التشتت والجوع والفقر والفرقة وعدم الاستقرار، وصمدت أمام محاولات كثيرة للقضاء عليها، ولم تمضِ سوى 7 سنوات على انتهائها حتى تمكن الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود عام 1240هـ (1824م) من استعادتها وتأسيس الدولة السعودية الثانية التي استمرت إلى عام 1309هـ (1891م). ومن ثم وبعد انتهائها بعشر سنوات، قيض الله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود عام 1319هـ (1902م) ليؤسس الدولة السعودية الثالثة التي نعيش في كنفها اليوم تلك الدولة التي وحدها الملك عبد العزيز باسم المملكة العربية السعودية، وسار أبناؤه الملوك من بعده على نهجه في تعزيز بناء هذه الدولة ووحدتها.
هذه المراحل من تأسيس الدولة السعودية برز فيها دور هام وحيوي وهو دور المرأة فلا يخفى على ذي لب أن المرأة هي نصف المجتمع وتربي النصف الاخر. ولا مراء أن للمرأة السعودية دورًا عظيمًا على مر التاريخ بغرس قيم الولاء والانتماء لدولة فتية جابهت صعوبات وتحديات كبيرة من الداخل والخارج لتأسيس وتقوية دعائمها وترسية ركيزة الأمن والأمان والاستقرار لأبنائها.
وللمرأة بوجه عام، دور تاريخي عالمي وعربي في ترسية دعائم الأمم ومن ثم على صعيد المملكة العربية السعودية كان للمرأة ذات الدور. بل، ومنذ عصر الدولة الاسلامية الأولى في عهد النبي عليه الصلاة والسلام لعبت المرأة دورًا محوريًا وأساسيًا فها هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية الأوسية من أخطب نساء العرب ومن ذوات الشجاعة والإقدام. كان يقال لها: خطيبة النساء. وفدت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم في السنة الأولى للهجرة فبايعته وسمعت حديثه. وحضرت وقعة اليرموك (سنة 13 هـ) فكانت تسقي الظِّماء وتضمد جراح الجرحى، واشتدت الحرب فأخذت عمود خيمتها وانغمرت في الصفوف فصرعت به تسعة من الروم. وتوفيت بعد ذلك بزمن طويل. ولها في البخاري حديثان. وقد يصعب حصر أعمال المرأة في تعزيز قيم الولاء للأمة ويعجز أي قلم عن حصر إنجازات النساء المسلمات في هذا الجانب.
كما أن المرأة حضرت وبقوة عالميًا، ففي الحرب العالمية الأولى كانت المرأة عنصرًا مهمًا لتعزيز قيم الانتماء والولاء عند الشعوب في أيام الحرب في تمريض الجرحى وعلاجهم أو عاملات في المصانع في وقت انشغال الرجال بالحرب.
وتشير المصادر التاريخية إلى دورٍ قيادي وجوهري لسيدة عظيمة هي موضي بنت سلطان أبو وهطان، وهي زوجة محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى (1157-1179هـ / 1744-1765م)، وأوّل امرأة تحدّث مؤرخو نجد عن مناصرتها لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. والتي أشارت على زوجها المؤسس للدولة السعودية الأولى بأن يناصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب بقولها: “إن هذا الرجل ساقه الله إليك وهـو غنيمة، فاغتنم ما خصّك الله به”. فقبل قولها ووقع مع الإمام اتفاقية الدرعية عام 1157ه 1745م. فمعرفة هذا التاريخ المشرف للمرأة السعودية ومنذ التأسيس أمر يبعث على الفخر والاعتزاز لماضٍ يدفعنا لمساندة الوطن في كل وقت وتحت أي ظرف.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم الحاضر وفي رؤية الوطن الطموحة 2030 والمرأة السعودية حاضرة وبقوة بل ومن أهم دعائم الرؤية الوطنية 2030 وتستمر دولتنا العظيمة رعاها الله في تنمية مواهب المرأة كجزء أساسي في المجتمع واستثمار طاقاتها وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبة لبناء مستقبلها والإسهام في تنمية مجتمعها واقتصادها بتوفير العوامل التي تساعد على تمكينها من إرادة سياسية وإمكانات اقتصادية ووعي مجتمعي بأهمية دور المرأة التنموي. ولا يمكن لهذه الأدوار المتعددة أن تطغى على دور المرأة الأساسي في أسرتها فهي العمود الفقري للأسرة والأسرة هي بنية المجتمع وسر نهضته وتسهم بشكل فعال في بناء رابطة الانتماء للمجتمع والوطن والأمة بأكملها.
تنوعت أدوار المرأة خلال الخمسة الأعوام الماضية فأصبح لها دور بارز في التطوع المجتمعي، في الدفاع عن الوطن من خلال العمل في مختلف الأجهزة الأمنية، في تعزيز القيم الدبلوماسية للعمل، فوصلت إلى أن تتبوأ منصب سفيرة لأول مرة في تاريخ المملكة العربية السعودية من خلال 3 سفيرات يمثلن بلدهن المملكة العربية السعودية في ثلاثة بلدان مختلفة. إلى ذلك، فللمرأة السعودية دور رياضي حيث انضمت النساء لمختلف الألعاب الرياضية واستطعن تمثيل البلاد في المحافل الرياضية الدولية، ودور في تعزيز القيم الحقوقية حيث تم تعيين ثلاث عشرة امرأة، وهن نصف أعضاء مجلس الإدارة في مجلس حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، ثم دور المرأة في تعزيز القيم الاقتصادية وذلك من خلال دور المرأة المهم داخل المنزل كربة أسرة أو كموظفة في دعم أسرتها وتعزيز الوعي المالي. كذلك دور المرأة التنموي حيث إن المرأة تشكل ما يقارب من 50% من خريجي الجامعات. وبالتالي لا بد من استثمار طاقاتها في تنمية مجتمعها بخلق فرص وظيفية مناسبة في شتى المجالات. ثم دور المرأة في قطاع التعليم هذا القطاع الحيوي الذي مكنها من ارتياد مجالات لم تكن متاحة لها مثل الوظائف الدبلوماسية ووظائف التدريب التقني والمهني على النحو الذي سبق أن أشرنا إليه.
هذه الأدوار المختلفة تعزز من دور المرأة السعودية اليوم وأكثر من أي وقت مضى في مسؤولية عظيمة تجاه الوطن تتمثل في غرس قيم الولاء والانتماء للأجيال الحالية تجاه هذه الأرض المباركة والوطن العظيم الذي تحقق له ما تحقق بفضل الله ثم بدماء الشرفاء وجهود المخلصين من أبنائه وممن عاش على أرضه. ليستمر الوطن في رفعته ونمائه ولتستمر المرأة السعودية في تعزيز مكانتها ودورها وغرس القيم الوطنية لأبنائها وبناتها الذين هم رجال الغد ونساؤه.
———————-
جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل
سرد تاريخي رائع لدور المرأة سابقاً وحديثاً باسلوب شيق وبديع ..
سلمت الأنامل دكتورة أماني
وفقك الله ..اجدت وأفدت