للأمم والأوطان أيامها الاحتفالية التي تتخلَّق وتتشكَّل ممزوجة بما يدعمها من الحماسة الوطنية والمشاعر الصادقة، وتنطلق مرسخة بانتماءاتها الصادقة وببهجة الماضي، المتوازية مع احتفاء بالمستقبل، ومن تلك الأيام الوطنية يوم التأسيس في المملكة العربية السعودية الذي يتسم بحضوره المشرق المتألق بأضوائه المجيدة لامتدادات أزمنة بهيجة، وعصور عريقة، لا يمكن أن تغيب بغيابه، وليس لها أن تندثر بمروره، بل ترتسم في جبين الوطن زاهية مزهوة كل لحظة، وتحضر بألوانها الخضراء في لوحة لشجاعة مواطن، وتؤطرها بكتابة توثق تاريخ وطن، وهو الوطن الذي له من أسباب الفخر والإباء ما يجعل مواطنيه يختالون به فخرًا، فيحتفون بعطاء منجزاته ما سبق منها وما لحق، التي شكلتها سلسلة من حلقات اندمج فيها ماضيه بحاضره، ورسخت ملامح مستقبله بالإفادة من معطيات هذا العصر وعطائه.
قد يتبادر إلينا سؤال يتمثل في الآتي: ما المكونات البنيوية التي تشكَّل من يوم التأسيس مجالًا للاحتفاء، وحقلًا للبهجة؟ وللإجابة عن هذا السؤال سنشير إلى أن امتداد هذا الوطن الشاسع في مستوى الجغرافيا رافقه ثراء كبير على مستوى التاريخ، إلى جانب قيمة دائمة اتسم بها حكامه، ووطنية صادقة تميز بها مواطنوه، ما شكل حالة من التكامل الثري بين الجغرافيا والتاريخ، والحاكم والمحكوم.
إن الاحتفاء بالملامح التقليدية للباس والطعام وغيرها في هذا اليوم أمر جيد، يعيد التأمل في جانب من الثقافة السائدة آنذاك، ويكشف عن مدى الإصرار وحجم العزيمة اللذين كانا علامتين، تمتع بها المؤسسون في سبيل الوصول إلى منجز فريد، لكن استذكار تلك المواقف بأحداثها وتضحياتها سيكون تعبيرًا مباشرًا عن معاناة كبيرة، وعقبات كثيرة، اعترضت طريقهم، وما تذكر تلك الأحداث ومراجعتها إلا بيان عن تقدير، يعي أهمية تلك التضحيات التي سبقت المنجزات، وما علينا بوصفنا أجيالًا لاحقة إلا أن نستكمل تلك التضحيات باستعداد للبذل والتضحية؛ ولا يكون ذلك في رأيي، إلا بتحويل تلك المشاعر الجياشة والأحاسيس اللاهبة إلى وقود لا ينضب ذي قوة مضاعفة، وعزيمة لا تنطفئ؛ كي نخرج ملامح حيواتنا المعاصرة لاستكمال ذلك النبض الدافق، وفق نهج عام معبر عن حب الوطن؛ فالمزارع في مزرعته، والمهندس في مشروعه، والمعلم في مدرسته، والطبيب في عيادته، والجندي في ثكنته، وغيرهم الكثير، كل أولئك مطالبون بالإسهام الوطني المتدفق في سبيل عزة الوطن والنهوض به.
إلى جانب ذلك نشير إلى أن فعل كتابة المقالات والتدوينات وما يتصل بها يعدُّ أمرًا جيدًا كذلك؛ إذ يعبر عن اتصال روحي وثيق بتلك المناسبة التاريخية، ويرسخ فاعلية الحدث وتوثيقه، وسيكون الأمر أكثر حضورًا حين التوجه بذلك إلى الأجيال القادمة، لعرض الحدث تفصيليًا، بما يتناسب مع الأعمار المبكرة؛ فالاشتغال على الرسوم المتحركة، على سبيل المثال، سيكون موجهًا وناجعًا من أجل الاستحضار المدروس للمناسبة، وتحقيق الأهداف المتوخاة، بدءًا من التعريف الأولي إلى إشباع البُعد الروحي؛ بترسيخ المشاعر الوطنية في نفوس تلك الأجيال الشابة؛ كما أن إنتاج المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية لاسيما التاريخية منها قد يبدو مهمًا جدًا في بث تلك الروح وشيوعها.
وأخيرًا، لعل من الأنسب أن نختم هنا بتقديم التهنئة الصادقة إلى القيادة السعودية الحكيمة وللشعب السعودي، وكل عام والوطن وأهله بخير.
0