حينما كنتُ أدرس في المرحلة الابتدائية، كان يأسرني التاريخ والسيرة، والتي فيها من القصص والعبر الكثيرة، وكانت ملاذنا في ذلك الزمن للمعرفة والترفيه والخيال والحلم. وأذكر كم كنت حينها أنتظر وأتلهف لهذه الحصص لاستكمال وربط الأحداث ببعضها بصورة سينمائية في عقلي الصغير أنذاك.
كان من أجمل دروس التاريخ كيفية تأسيس الدولة السعودية الأولى ثم الثانية ثم الثالثة من مدرسات التاريخ بطريقة قصصية حماسية، وكانت العبرة التي راودتني من هذه الأحداث التاريخية حينها روح المثابرة والقيادة، والتي تظهر جلية في كل منحى للدولة السعودية. تظهر هذه الروح من البداية حين بدأت الدولة السعودية الأولى عاصمتها الدرعية ودستورها القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ بفضل من الله ثم بجهود الإمام محمد بن سعود في عام 1139هـ والذي يوافق شهر فبراير عام 1727م، واستمرت الدولة في التطوير وإدارة الحكم حتى عام 1233هـ، والذي تمكن بعد ذلك الإمام تركي آل سعود من إنشاء الدولة السعودية “الثانية” والتي استمرت إلى عام 1309هـ، وقام الملك عبد العزيز آل سعود بعد ذلك عام 1319هـ بتأسيس الدولة “الثالثة” والمستمرة لوقتنا هذا ولله الحمد.
ولا يخفى على أحد أن التأسيس لأي أمر يكون شاقًا، ويتطلب الجهود الكبيرة، ولنا أن نتخيَّل كيف يكون تأسيس دولة في ذلك الزمن البعيد ؟؟!!. ولكن وضوح الرؤية وسلامة التخطيط التي انتهجتها الدولة السعودية، ومازالت تساهم في ترسيخ مملكتنا كدولة تحضى بمسيرة تقدم وتطوير وازدهار.
دوما يصرح العلماء والمؤرخون بأهمية دراسة التاريخ لقراءة الأحداث، وتحليلها لترسيخ وتأصيل المنهج الذي يشير “أن الحاضر هو وليد للحضارات السابقة”، وقد قال ابن خلدون: “إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار ولكن في باطنه نظر وتحقيق”. وهذه المقولات توضح أهمية القرار الملكي رقم (أ/371) وتاريخ 24-6-1443هـ الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- والذي نص على تحديد يوم 22 فبراير من كل عام ليكون إجازة رسمية بالمملكة فخرًا وعزًا لذكرى تأسيس الدولة السعودية، والتي نعيش في كنفها بنعمة الأمن والأمان ولله الحمد.
يوم التأسيس ليس مجرد احتفالية أو مناسبة وطنية فحسب بل هي تأصيل ذكرى تاريخنا العريق واعتزاز بالجدور الراسخة للدولة والممتدة لثلاثة قرون، وفرصة لتجديد الولاء والانتماء، وهدف للحفاظ على ميراث الأجداد والمؤسسين. هو يوم يجعلنا نفكر بما كان عليه الوطن سابقًا، وكيف أصبح من أهم دول مجموعة العشرين!! فرصة للفخر وللتوجه بالحمد لله تعالى لرفاهية العيش الكريم من تعليم وصحة وغيرها في مختلف الاحتياجات المجتمعية والإنسانية.
الاحتفاء بيوم التأسيس تحت شعار “يوم بدينا” جعلنا نبحث ونجيب على أسئلة عن تاريخ مملكتنا مثل ما الفرق بين اليوم الوطني ويوم التأسيس؟؟ ليجعلنا ندخل في حوارات مع زملائنا وأبنائنا وأحفادنا للتعرف والتعمق في تاريخ دولتنا وتفاصيل فيها عزنا وفخرنا تدوم لمن بعدنا. يوم التأسيس ساهم أن ندرك استراتيجية وفكر القيادات المؤسسين للدولة وحكامها المتتاليين؛ لنصل إلى يومنا هذا تحت قيادة سديدة للملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي عهده الأمير الشاب والطموح محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود الذين لم يتوانوا لبذل الكثير والنفيس للمحافظة على إرث الماضي والمضي قدمًا لصنع المستقبل. دعواتنا أن يديم الله علينا نعمة الأمن والأمان، وأن نرتقي بالوطن بالحفاظ على مكتسبات الماضي والعمل للمستقبل.
————————
عميدة كلية التمريض بجامعة الملك عبد العزيز