يمتاح الشاعر الشعبي في المنطقة الجنوبية جماليات القصيدة الشعرية من الموجودات التي حوله ليرفدها ألقا وإبداعاويلبسها ثوباً قشيباً تروق للمهتمين بالموروث الشعبي، فتأتي القصيدة مخضبة بشميم الكادي ونفح الريحان وأريج الأزهار،مؤطرة بخلاصة ما اختزله من خبرات وتجارب اجتماعية تتفق مع عادات وتقاليد وأعراف المحيطين به، وتصل القصيدة إلىالمتذوق بأشكال عدة ومن بين الموجودات (الجبل، الوادي، الغزال، النمر، الصقر, المطر، الشجر وخصوصا الموز والكاذي والبنوالثمر) يصف بحسب موقف الأشخاص في جانب المروءة أو الكرم أو الشجاعة أو أي فضيلة أخرى، فقد يصف الشاعرالرجل بالنمر أو الجبل الشامخ في حين يصف المرأة بالغزال أو الكاذي أو الحمام وهكذا. ومن طلائع الشعراء الشعبيينالجنوبيين الشاعر محمد بن ثامره وعبدالله الزرقوي وابن عقار وابن جبران والأعمى والزبير وجماح وخرصان وابن مصلحوالغويد وجماح وابن عثمان والحداوي وبن سحبان وغيرهم كثيرون. ومن شعراء الجيل الحالي الدكتور عبدالواحد الزهرانيوعبدالله البيضاني وصالح بن عزيز والدرمحي ومحمد حوقان وخالد غنيم وأخيه فهد ورياض الزهراني والعلاوة واللخمي وبنهضبان وعطيه السلطاني والدكتور إبراهيم الشيخي وعبدالله الذبياني وزعكان وبن حوقان وأبو علاج وعلى البيضاني وشبابالغامدي وهميل وفاضل الزهراني صاحب الصوت الشجي وعبدالله أبو ظهر وسعيد الحداوي وسامي الغامدي وعلي وأخيهعائض ابني نايف الغامدي وغيرهم مما لا تستوعبهم مساحة المقالة،ولا أود الحديث عن الأشخاص بقدر ما وددت الإشارةإلى جماليات القصيدة الشعبية والظروف الحياتية التي تكتنفها حيث شكلّت معينا جيدا للشعراء، بعضهم تمكّن التحليق فيفضاء الإبداع، الأمر الذي شكّل لهم الكثير من المتابعين سواء على مستوى الصوتيات التي كانت تُباع في الأسواق أوالمقاطع التي تُبث عبر الشبكة العنكبوتية أو المواقع الفضائية.
والشاعر الذي يُلامس هموم وشجون الناس يظل مطبوعا على ألسنتهم يتداولون قصائده في المنتديات والجلسات الخاصةوالعامة، وبحسب معرفتي يأتي الشعراء عبدالله البيضاني و الدكتور عبدالواحد الزهراني وصالح بن عزيز القرني في الطليعةإذ كثيرا ما يمتعون الحضور بقصائد تعزف على وتر اهتمام المجتمع مما يُساعد على انتشار تلك القصائد وذيوعها لدى جميعالشرائح، وجاءت قصيدة عبدالواحد الأخيرة عن استضعاف المرأة من قبل بعض الرجال وسلبها حقوقها التي منحها لها ربالعباد واستغلال راتبها وامتهان كرامتها كواحدة من أجمل القصائد، لكونها تهدف إلى معالجة اجتماعية لخطأ يقع فيه الكثير من الشبان، جاءت القصيدة بهدف تصحيح ثقافة عقيمة وتنظيف مراية المجتمع من الخدوش ومن ذلك الأسلوب الغيرمقبول اجتماعياً أو ثقافياً أو دينيا, ولمّا كانت القصيدة الشعبية بهذا التأثير، وهذه القدرة التي تفوق ما يناله الطالب من كتابهالمدرسي، فإن استثمار مواهب الشعراء في تصحيح وتعديل كثير من المفاهيم الاجتماعية الخاطئة أمر في غاية الأهمية, فالمناسبة الشعبية يحضرها في ليلة واحدة ما يفوق رواد النادي الأدبي لمدة عام كامل, هنا يتجسّد قدرة الشاعر في استثمارهذه المناسبات بالمناداة إلى أهداف سامية ونبيلة بعيداً عن الابتذال في المدح، أو الامتهان في القدح، ومن لم يعرف عن الشعرالشعبي في الجنوب، فيمكن القول بأنه يتميز بجزالة اللفظ وقوة المعنى وأحيانا غموضه، والتركيب اللغوي بما يُعرف في البلاغةبالجناس حيث تتطابق الكلمات الأخيرة من شطر كل بيت واختلاف المعنى ما بين البدع والرد.. وليس بمقدور أي شخص بناءقصيدة في غضون ثوان مالم يمتلك الموهبة في هذا الشأن، فالشعراء الجنوبيون يتبارون في ساحة العرضة بنسج القصيدةفي ذات اللحظة, وهذا ما جعل البعض يُفسّر هذه المقدرة بأن ثمة جان يستعينون بهم لقرض الشعر..وللحق فإن الشاعرعبدالله الزرقوي الذي توفى منذ مائة عام تميز بشيئين أولا: تشريح المجتمع بما يكتنفه من تناقضات، وثانيا: بقصائده التيتماهت بين الحلم والواقع..
فضلا عن قصائد غزلية قليلة تترقرق عذوبة وجمالا، ولا يضاهيه بل يتفوق عليه إلا الشاعر ابن جبران الذي تفرد بخصوصيةفي نسج القصائد الغزلية وكأن ابن جبران يعجن أبياته الشعرية من أوراق الورود ويرشها بالكاذي فتأتي مهفهفة ترق لهاالقلوب وتنغمس في الوجدان ليعيش المستمع في خدر لذيذ، وللشاعر عبدالله البيضاني مكانته التي تجعله يتربع في مكانةعالية من بين الشعراء الجنوبيين وتلك موهبة أودعا الله في هؤلاء الشعراء.. أما الحديث عن الشاعر ابن ثامرة فيطول ولأكثر منكتب عنه الراحل على بن صالح السلوك في محاضرة ألقاها بمقر جمعية الثقافة والفنون بالباحة كنت انتظر أقرأ تلك الأوراقمطبوعة عن شاعر يستحق أن نعرف عنه الكثير والإصدار المتميز لأخي الأستاذ محمد بن زياد عن الشاعر بن ثامرة . ولأهميةهذا الموروث الثقافي في استمراريته فأنني أشيد بالجهد الكبير الذي قام به الشاب الأستاذ فهد الجعيدي بإصدار كتابه الذيعنونه أحداث وقصائد من بلاد غامد واحتوى على كثير من القصائد التي جمعها بجهد فردي ولا نغفل ما قام به فرع جمعيةالثقافة والفنون بالباحة من جهد مشكور في إصدار موسوعة الأدب الشفهي بالباحة.
ومازال الحديث مستمرًا
مقال جميل كجمال روح الكاتب
حيث تبقى مسألة جن الشعراء حديث المجتمعات فما بين من يثبتها وما بين من ينفيها تبقى هذه القضية عائمة لا سيما أن هناك شعراء اعترفوا بمساعدة الجن لهم
ربما من مبدأ الطرفة وربما لإبقاء قضية الجن سراً من أسرار عالم الشعراء