غنيّ عن القول: إن الأمر الملكي الكريم رقم 1/371 وتاريخ 24/06/1443هـ الموافق 27/01/2022م القاضي باختيار يوم للتأسيس هو يوم 22 فبراير من كل عام، يعني بالنسبة لنا نحن المؤرخين الشيء الكثير، ذلك لأنه وضع الركيزة الأولى للانطلاقة الخيرّة لهذه البلاد، القوية الأركان، الشامخة الذرى، والمرهوبة الجانب. بلاد يقودها أمجاد مَيَامِين، ومن ورائهم شعب عظيم كما نَعَتَه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع، ولا غرابة أن يصدر هذا الأمر من لَدُنْ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- وأيده، وهو من وَعَى التاريخ وعَلِمَه وخَبَرَه وصَنَعَه، وهو من يتقلّد رئاسة مجلس إدارة مؤسسة لها باع طويل في العناية بالتاريخ الوطني، وهي تَأتَمِرُ بأمره، وتسير وفق توجيهاته، مؤسسة مُؤْتَمَنَة على تاريخ هذه البلاد العريق وتراثها المجيد، وما صنعه رجالها من أمجاد يسجلها لهم التاريخ في صفحاته الخالدة، تِلْكُم هي دارة الملك عبد العزيز الواعية بامتياز على تاريخ الوطن الذي ما فتأت تعمل جاهدة على بحثه، والتنقيب عنه، وكشفه، وجمعه من مختلف مضانه، وتدوينه بأسلوب يضعه في سياقاته الدقيقة، ومساراته الصحيحة، وتنقيته مما علق به من الأهواء التي شابته في مختلف مراحله.
والأمم في كل مكان وزمان تحتفل بأيام تأسيس دولها، وتعدّها على رأس أيامها الوطنية، ونحن حينما نختار يومًا للتأسيس فإننا لسنا بدعًا من الأمم، ولسنا أقل منهم منجزات وأمجاد نفتخر بها ونفاخر. فيوم التأسيس بالنسبة لنا هو يوم نقلّب فيه صفحات تاريخنا الوطني، ونستذكر فيه صُنَّاعَه من آل سعود الميامين المنسوبين إلى ذلك الإمام الرائد المجاهد محمد بن سعود بن مقرن الذي اختير يوم وصوله إلى الحكم في منتصف عام 1139هـ يومًا للتأسيس على الرغم من مرور 289 عامًا على استيطان أجداده بالدرعية، واتخاذها عاصمة لإمارتهم إلا أن نُسْبَة يوم التأسيس إلى عهد الإمام محمد بن سعود يعود إلى أنه الجَدّ المباشر للأسرة المالكة في بلادنا، وهم ينتسبون إليه، ومنه توارثوا الحكم حتى عصر الناس هذا، وهو الذي شهدت الدرعية في عهده استقرارًا لم تشهده في عهد سابقيه، وهو الذي وَحّدَها، وحَصّنَها ، واستمر في حكمها حوالي 40 سنة، منها 19 سنة قبل لجوء الشيخ محمد بن عبد الوهاب إليه، وطلبه التأييد والنصرة منه، فاستجاب الإمام لدعوته، ونصرها بسيفه على مدى 20 عامًا قاد خلالها مسيرة التوحيد بنفسه، أو بابنه عبد العزيز، ثم وَرّث الإمامة في ذريته الذين تعاقبوا على الحكم من بعده، وسلكوا دربه في قيادة مسيرة التوحيد، منهم الإمام عبد العزيز بن محمد الذي أصبحت الدرعية في زمانه كعبة للعلم والعلماء، وللوفود الذين قدموا إليها طَوَاعِيَة من بقاع شتى من جزيرة العرب للمبايعة، والانصهار في بوتقة الوحدة الوطنية، ثم حفيدة الإمام سعود بن عبد العزيز، وفي عهده خضعت له الحجاز، ومعظم أقاليم الجزيرة العربية، وبعض أطرافها في العراق والشام، ثم الإمام الشهيد عبد الله الذي تكالبت عليه قوى الشرّ، فدفع روحه رخيصة فداءً لوطنه الذي أسسه جده الإمام محمد بن سعود، ولكن لم يمضِ وقت كبير حتى عادت الدولة السعودية إلى الحياة على يد الإمام الفَذّ تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، ثم ابنه الإمام العظيم فيصل بن تركي، ثم ابنه الإمام عبد الله بن فيصل، وسقوط الدولة السعودية الثانية في عهده وعهد إخوانه بعد أحداث مؤلمة، ولكنها لم تلبث إلا قليلًا حتى استردها الإمام المُلْهَم الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل (رحمه الله) الذي أشاد البناء على الأسس التي وضعها أجداده، وعمل جاهدًا على تثبيته وتحصينه وتأمينه وتسلمه متكامل البنيان، قوىّ الأركان، مرهوب الجانب إلى أبناء بررة عدول، حافظوا على وحدته وحموا ترابه، وأقاموا فيه العدل والأمن والأمان، وبنوا نهضته الحديثة، وخطّطوا لمستقبله الزاهر إن شاء الله، نسأل الله لهم وللوطن، وللشعب السعودي العظيم ديمومة العز والرخاء، وأن يحفظهم ويحفظ بلادنا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إنه سميع مجيب الدعاء.
——————
الأمين العام لجمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون الخليجي