سيتوقف التاريخ طويلاً عند “فلاديمير بوتين” ليس بوصفه رئيس جمهورية روسيا الاتحادية فحسب ، وإنما أيضاً لكونه الرجل الذى يحاول بما أوتى من جهد، أن يعيد مجد القياصرة ، ويلمَّ شملَ الجمهوريات السوفيتية المتناثرة، ويعيدها إلى موطنها الأم ، ليعلن بعدها عن عودة المارد القديم ، ويخطو فى فخر وثبات نحو الكريملين، ليرفع العلم الأحمر لهذا المارد العظيم – علم الإتحاد السوفيتى سابقا – بعدما نَكَّسَهُ آخر رئيس له وهو “ميخائيل غورباتشوف” أوكرانى الأصل – عام ١٩٩١ م – و فى غمرة أحلام بوتين هذه، ينتبه من غفلته على صوت الرئيس الأوكرانى “فولوديمير زيلينسكى” ، وهو يعلن الحرب عليه و على بلاده ليتوقف التاريخ مرة أخرى ، ولكن هذه المرة ، عند الرئيس الأوكرانى ، الذى أعلن الحرب دون أن يدرى ، ليصبح أول من يعلن الحرب دون أن يدرى فى تاريخنا المعاصر كله ، و فجأة ، و بلا سابق إعلان ، وبلا سابق ترتيب و استعداد ، يعلن أن بلاده ستنضم إلى حلف شمال الأطلسي “حلف الناتو ” هذا الحلف الذى أنشأته الكتلة الكتلة الغربية -عام ١٩٤٩م – لهدف واحد لم يُعرَف غيره ، و هو الحد من سيطرة و نفوذ الإتحاد السوفيتى القديم ، و القضاء على أطماعه فى أوروبا نهائياً ، و هذا ما دعا الإتحاد السوفيتى بدوره ، أن ينشئ حلفاً للكتلة الشرقية ، سُمِّىَ بحلف “وارسو” ، ليعيد التوازن بين الكتلتين الشرقية و الغربية مرة أخرى ، ولتبدأ بعدها الحرب الباردة التى استمرت أكثر من ثلاثين عاماً بعدها وفجأة يَجُرُّ الرئيس الأوكرانى، هذا العدو القديم للإتحاد السوفيتى،ليضعه على حدود الإتحاد الروسى (روسيا الإتحادية) ،الذى يرأسه بوتين ، ليجد هذا الأخير نفسه ، مهدداً بالقضاء على جميع أحلامه التوسعية، و ضياع كلَّ آماله و بلاده فى عودة المجد القديم نهائياً ، و سيصبح إن أَبرم الرئيس الأوكرانى وعده ، مقيداً بلا مخالب ، و مهدداً هو و بلاده بالفناء فى أى لحظة من لحظات التاريخ المقبلة ، و هذا ما دعاه ، و فى خلال بضع ساعات ، أن يتواجد بجيشه فى شوارع أوكرانيا ذاتها ، مدافعاً عن وجوده ، و وجود بلاده ، قبل أن يكون مانعاً للرئيس الأوكرانى من تنفيذ وعوده و الغريب ، و المستغرب ، و الأغرب من ذلك ، هو صدور الإستغاثات المتتالية من الرئيس الأوكرانى فى الساعات الأولى من هجوم بوتين عليه ، قبل أن تبدأ الحرب ، بعدما تخلى حلفاؤه عنه، وسقطت أوكرانيا ، فى غمضة عين و انتباهتها ، و بلا مقابل ، و لن تعود خريطتها إلى سيرتها الأولى مرة أخرى، وحصد الرئيس الأوكرانى مركزاً متقدماً فى قائمة “أغبى عشرة رؤساء فى القرن الحادى و العشرين ” ، و التى ستكتب لاحقاً و لا شكَّ فى ذلك لأنه شَرَّدَ شعبه ، و أضاع أرضه و بلاده .. فى مقابل وعدٍ بمقعدٍ فى حلف الناتو “الذى يحسبهُ الظمآنُ ماء” .
و فى الجانب الآخر من العالم ، فى عالمنا العربى ، يخلطون بين الأمنيات، و بين التوقعات، و غنى عن البيان ، أن الأمنيات محلها القلوب، و التوقعات يجاريها العقل ، أغلبهم يتمنى أن يهزمَ بوتين ، و هذه أمنية ، أَمَّا التوقعات فتقول أن بوتين سينتصر ، و أنه رجل يعرف ما الذى يفعله …
ولكن ، ما لا يمكن توقعه ، وتتوقف عنده التوقعات حائرة ، هو … متى تتوقف هذه الحرب، وما هى نتائجها … هل ستتدخل الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الغرب الأوروبي فى هذه الحرب ، دفاعاً عن أوكرانيا ، و درءًا لأطماع روسيا و توسعها فى على حساب الدول الأوربية ، منعاً لعودة القطب الثانى مرة أخرى ، أم سيكتفى الجميع بالشجب و التنديد كما هو الحال الآن و هل سيجر هذا الصراع إيران و كوريا الشمالية والصين إليه ، و كُلٌّ له حساباته و دوافعه التى لا يعلمها أحد
ولن يجيبنا على هذه الأسئلة ، سوى المستقبل القريب ، الذى سيرد عما نطرحه من أسئلة ، ولا علينا إلا أن نقول “إن غداُ لناظره قريب “