أتذكر بين فترة وأخرى قصة طريفة كانت قد وصلتني عبر البريد الإلكتروني منذ فترة ليست بالقريبة لكنها مازالت حاضرة في ذهني وتشغل حيزًا من تفكيري، وقلت في نفسي أن من الظلم أن تبقى هذه القصة مجرد حكاية تروى في المجالس للتسلية والترفيه؛ وخاصة أننا كثيرًا ما نعيش أحداثًا مشابهة لما تضمنته هذه الحكاية في واقع حياتنا اليومية، بل إنها تُمثل معاناة كثير من الناس، فأوردتها هنا بتصرف وبعيدًا عن الأمانة العلمية؛ حيث يحكى أن رجلًا كان يركب بالونًا هوائيًا، وقد لاحظ أنه ضل الطريق، فهبط قليلًا حتى اقترب من الأرض، وإذ به يرى شابًا في الأسفل؛ فنادى عليه بصوت عالٍ: أريد أن أسألك سؤالاً: لقد قطعت وعدًا لأحد أصدقائي بأنني سأقابله، وقد تأخرت كثيرًا عن موعدي، وأنا لا أعلم أين أنا الآن، يبدو أنني قد أضعت طريقي رغم أنني منذ البداية حاولت أن أسلك مسارًا أسرع وأقل تكلفة من المسار الذي كان يسلكه أصدقائي. فهل يمكنك أن تخبرني أين أنا الآن؟!
رفع الشاب رأسه وأجاب: حسنًا؛ أنت الآن فعليًا داخل بالون يعلو عن سطح الأرض 10 أمتار، وجغرافيًا أنت بين 40 و41 درجة شمال عرض، و59 و60 درجة غرب طول. فصاح به الرجل: ما هذا الهراء الذي تقوله، فأنا لم أفهم شيئًا! فأجابه الشاب: انظر إلى المؤشرات الموجودة في البالون وستفهم، فنظر الرجل ثم قال له: حسنًا هذه الأرقام موجودة بالفعل. هل أنت مهندس؟ فأجابه الشاب: نعم؛ كيف عرفت؟ فرد قائلًا: لأن المعلومات التي أخبرتني بها صحيحة، ولكنها غير مفيدة. فأنا لا أفهم معناها؛ ولذلك لم أسأل عن هذه المؤشرات ولم أعيرها اهتمامي حتى قبل أن أنطلق بالمنطاد، بل إنني رفضت اصطحاب أي مساعد لي في رحلتي هذه لأنني كنت أعتقد أن قيادة المنطاد سهلة للغاية. ولذلك فأنا الآن لا أختبر قدراتك الهندسية؛ إنما أريد أن أعرف أين أنا الآن. أرجوك! هل تستطيع الإجابة عن هذا السؤال السهل دون فلسفة أو استعراض معلوماتك؟ وعليك مساعدتي في حل هذه المشكلة؟
نظر إليه الشاب وقال له: هل أنت مدير؟ فأجابه الرجل: نعم؛ بالفعل أنا مدير ولكن كيف عرفت ذلك؟! فقال الشاب: لأنك لا تعلم أين أنت الآن ولا إلى أين أنت ذاهب. ولأنك لم تصل مكانك إلا بفعل قليل من الهواء الساخن، أنت تحاول أن تغرد خارج السرب وتحلق في الفضاء بمفردك؛ حيث تعتقد أنك مختلف عن الآخرين، ولأنك قطعت وعدًا على نفسك ولا تدري كيف ستفي بذلك الوعد. ولأنك تتوقع بل وتجزم أن ممن هم حولك سوف يطيعـوك وهم ملزمون بحل جميع مشكلاتك. ولأنك لا تمتلك شجاعة التراجع عن قراراتك الخاطئة ولا تغيير خططك المتخبطة؛ ولأنك حتى وأنت في هذا المأزق وعندما طلبت مني المساعدة لم تستخدم أي كلمة لطيفة مثل: (من فضلك، لو سمحت، لو تكرمت). بل ما زلت تتكلم بكل جلافة وغطرسة وكأنك لازلت تعيش في برجك العاجي تأمر وتنهى دون أن يعارضك أحد. كما أنك لا تشجع المبادرات الفردية والابتكارات بل لا تؤمن بها مطلقًا؛ وبالتالي فأنت لم تحاول ولو مجرد محاولة أن تبتكر حلًا يخرجك من أزمتك الحالية؛ لأنك لا تمتلك القدرة التي تتعرف من خلالها على أسباب فشلك في تحقيق أهدافك. أنت لا تحاول اكتساب معلومات جديدة ولا حتى مناقشة الأفكار التي تعرض عليك، بل إنك تزدريها وتعتبرها هراء. كما أضحكتني بقولك: إنك اخترت مسارًا أسرع وأقل تكلفة (عيني في عينك، قال إيه؛ قال أقل تكلفة)!!
أخيرًا وهو الأهم أن شلة المنتفعين من حولك لم يشعروا بتأخرك، ولن يأبهوا لغيابك بل ولا يتمنوا عودتك سالمًا، وإلا لما تركوك تحلق في الجو وحيدًا، وأنت تجهل قيادة المنطاد. أتعرف ما هو السبب في ذلك؟ السبب أنهم قد وصلوا إلى مبتغاهم، وحققوا مكتسباتهم من خلالك ثم أحرقوا كرتك، وهذه هي عادة المتملقين في كل زمان ومكان؛ ولذلك ربما هم الآن منشغلون بالتجهيز لمنطاد آخر للمدير القادم من بعدك.
ختامها رؤية:
مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية وضمان صيانة الأموال العامة والحفاظ عليها ضد من تسوَّل له نفسه المساس بها؛ باتت بمثابة نهج متأصل في ظل رؤية المملكة 2030 التي أطلقها عراب الرؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وفقه الله قبل (6) سنوات بدعم وتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله.
——————————
* عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة العامة