المتتبع لتاريخ الدولة السعودية منذ عهد التأسيس لابد وأن يتوقف طويلًا عند الدور الكبير الذي لعبته المرأة السعودية في معركة بناء الكيان والانسان وترسيخ الهوية وتعزيز الانتماء، والدفاع عن تراب الوطن وحماية مقدساته، والإخلاص للوطن والوفاء للقيادة؛ حيث خاضت معارك التحرير والتوحيد، ومعارك البناء والنماء جنبًا إلى جنب مع شقائقها من الرجال تحت راية التوحيد خلف القيادة التاريخية لقادة الوطن من آل سعود الكرام على مدى قرابة ثلاثة قرون من التضحية والفداء والبذل والعطاء.
علينا أن نستذكر، ونحن نشارك العالم إحياءه اليوم العالمي للمرأة لمحات من جوانب الريادة للمرأة السعودية في مجال شحذ همم الأبناء والحث على بلوغ القمم، والمشاركة في المعارك، والمساهمة في بناء المجتمع وتنميته من خلال أمثلة عديدة كتبها التاريخ بأحرف من ذهب، من ذلك إسهام الجوهرة بنت عبد الله بن معمر في مساعدة الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى حينما نزل في أمانها أثناء محاولة حاكم العيينة الغدر به.
ولابد وأن يذكر كل مواطن قصة البطلة غالية البقمية التي قادت المقاتلين في مواجهة جيش محمد علي فسطرت أحرفًا من نور في ملحمة الدفاع عن الوطن عندما دافعت بشجاعة وبسالة عن ترابه الغالي، فكانت مضرب الأمثال في البطولة والفداء.
وما ذكره د. إبراهيم عبده (كتابه :عرض جديد لسيرة الملك عبد العزيز آل سعود، ص 26): “قالت أمه – أي أم الملك عبد العزيز سارة بنت أحمد السديري – إنها تشتهي أن يرزقها الله ولدًا فيساوي الدنيا وما فيها، وإنها لسيدة قريبة من الله، ولن يحرمها الله ولدًا يساوي الدنيا وما فيها، ومن ذا يكون هذا الولد الذي يزن الدنيا وما فيها”.
علينا نستذكر أيضًا كلمات الجوهرة بنت فيصل بن تركي آل سعود عمة الملك عبد العزيز عندما كان طفلاً في حجرها: “عليك أن تحي عظمة بيت آل سعود”.
وإن نسينا لا ننسى نورة شقيقة الملك عبد العزيز التي كانت تكبره بعام، وكان يذكر اسمها كلما هب لمواجهة خطب عظيم هاتفًا: “أنا أخو نورة”. وقد لعبت الأميرة نورة بنت عبد الرحمن آل سعود دورًا هامًا في شحذ همة أخيها في السعي نحو توحيد البلاد.
علينا أن نستذكر أيضًا موضي البسام التي قيل فيها: “إن جاك ولد سمه موضي”، حيث ضرب فيها المثل لشخصيتها القوية وإرادتها الصلبة لمساهمتها في إيواء العديد من المقاتلين في معركتي الصريف والبكيرية.
والرعاية والاهتمام والعناية التي حظيت بها المرأة السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان لم تأتِ من فراغ، وإنما جاءت عن جدارة واستحقاق بعد ما أن أثبتت أهليتها في سوق العمل ومجالاته في القطاعين العام والخاص، وبعد النجاح الكبير الذي حققته في المناصب الدبلوماسية وفي المنظمات والمؤسسات الدولية التي أسندت إليها، وأيضًا من خلال مظاهر التقدم الملحوظ الذي حققته في المجالات العلمية والتقنية والإدارية.
ويعتبر تقرير “المرأة.. أنشطة الأعمال والقانون 2021” الصادر مؤخرًا عن مجموعة البنك الدولي، الذي يهدف إلى مُقارنة مستوى التمييز في الأنظمة بين الجنسين في مجال التنمية الاقتصادية وريادة الأعمال بين (190) دولة، مؤشر هام على مدى التقدم الذي حققته المرأة السعودية على هذا الصعيد، حيث سجّلت المملكة 80 درجة من أصل 100، مُتقدّمة عن الدرجة التي حقّقتها في نتائج تقرير العام الماضي البالغة 70.6 درجة، لترتقي بترتيبها ضمن الدول المتصدرة على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
اليوم في ذكرى اليوم العالمي للمرأة تمضي المرأة السعودية قدمًا – وبكل ثقة- من خلال شراكة فاعلة بنسبة 50% مع الرجل في سباق مع الزمن لتحقيق رؤية 2030 في موعدها المحدد بإذن الله وتوفيقه، متسلحة بسلاح الأمل والعزم والإصرار، وحيث أصبح العالم كله يسمع صوتها ويشاهد إنجازاتها ويشهد على نجاحاتها التي تعتبر فخرًا للوطن.
د. سونيا أحمد مالكي