كُنا نطلق هذه اللفظة “ظاهرة” على الشخص الذي يأتي بتصرفات غير معروفة أو مألوفة. هذا قبل أن نعرف من علماء الإحصاء أنه لا يجوز لنا أن نطلقها هكذا جزافًا، إذ لابدّ من أن تكون هناك إحصائية دقيقة يتبيَّن معها أن هناك نسبة معروفة تسمح لنا بإطلاق هذه المفردة. ومحمد بن دغيثر -رحمه الله- لم يكن يعرف تنطع الإحصاء ولا شروط علماء الأرقام. بل كان يطلق كلماته التي كان يبني بها بيته بنيان “مداميك” الحجر التي كانت تبنى بها بيوت بني قومه، فلم يكن يضع كلمة إلا في مكانها، تمامًا كما يأخذ مكانه الحجر في “المدماك”، إذا لا يمكن أن يحلّ مكانه غيره إلا أن يكون منحوتًا على نفس المقاس، وهذا فيه كما هو معلوم من الصعوبة ما فيه، وهو عندما بدأ قصيدته هنا بكلمة “ظاهرة” دون أي تحفظ؛ إنما كان يعني ما يقول ويترجم ما يُعاني.
ظاهرة يالربع أنا شفتها في بالحصين
إذا هي ظاهرة، وليست ملاحظة عابرة أو تصرف عفوي. وممن؟ من أبي الحصين !
أبو الحصين الذي لا يُعْرف عنه إلا الضعف والخيانة والخداع ..! يصبح لديه ظاهرة تلفت الانتباه عند مراقب أصيل كمحمد بن دغيثر …!
طيب وما هي هذه الظاهرة أيها الشاعر التي رصدتها وأعلنتها بهذه الطريقة التي جعلتك تبدأ بها قصيدتك ؟
يَتعدوى للذياب.
الله الله ! فعلًا معك حق ! فهذه ظاهرة غير مناسبة. فما أكبر الفرق بين الثعالب والذئاب، وحتى وإن كانت جميعًا من فصيلة واحدة إلا أن الفرق بينهما كما قال عبد الله البيضاني مثل الفرق بين القوس والمشتري!
الثعلب يتعدوى للذئب؟! كيف يستقيم الأمر؟! ختّال غدّار خوّاف جبان. يتّخذ موقفًا عدائيًا من فصيلة مفترسة فتاكة يضرب بها المثل في كل أمر عزيز !
قد يكون في الأمر التباس علينا نحن البسطاء يا شاعرنا العزيز. فهلا أوضحت لنا أكثر؟!
رافعٌ رأسه ولا عاد يرد الجاه إليّه
ويطلّق لانقز البحر كلّه ما أشرعه
آه ! فهمنا إذًا. فالأمر أكبر مما تخيلنا ! هناك مغالطة ومخالفة لطبيعة الأشياء، ولا يمكن أن يحدث هذا إلا في بيئة وظروف لا تخضع للقوانين الطبيعية المألوفة والمعروفة لدينا. لذلك فلا نملك إلا أن نتأمل في هذه الظاهرة، ونقول سبحان الله العظيم …!
سبر عمق هذه المقالة مخيف و شائك، بالذات وان أخلاق الثعلب لا تجعله يقف عند الخسارة أو بعد الانكسار كالذئب! صدق ابن دغيثر في زمانه، و لو عاش زماننا لما كان للظاهرة عنده حكم أو حجة تقوم بهما.. مقال جميييل