كثير ما تمر علينا في الحياة لحظات نغير فيها مواقفنا في من النقيض إلى النقيض، فكم مرة أراد إنسان أن يقدم خيرًا لشخص آخر وفي لحظة يغير رأيه؛ لأنه اكتشف في اللحظة الأخيرة أنه لا يستحق ذلك، وهذا النوع من المواقف كثير في الحياة، ولعل حكاية الفلاح مع السياح أكبر مثال على ذلك، يذكر لي الشيخ عايض بن عبدالله بن زنان -رحمه الله- هذه الحكاية قبل أكثر من عشرين سنة، يقول جاءني الأولاد بعوائلهم كم من الطائف إلى منزلي في قرية القحمان إحدى قرى محوية في بلاد زهران في منطقة الباحة، وفي اليوم التالي قررنا أن نقوم بجولة سياحية في المنطقة، في وقت لم يكن هناك متنزهات ولا حدائق عامة، فنزلنا وادي بيدة المشهور بمزارعه الكثيرة، وخاصة مزارع الرمان، ودخلنا في طريق فرعي، فإذا بنا أمام أرض كبيرة لا يرتفع سورها أكثر من نصف متر، وليس لها بوابة، فدخلنا فيها بالسيارات، وخرج الأطفال والنساء والأولاد وانتشروا في تلك الأرض، وذهبت أنا وأحد الأولاد إلى شرق الأرض، فإذا بنا نشاهد منحدرًا حادًا جدًا وفي أسلفه منزل متعدد الوحدات، ورأينا رجلًا عند سيارته الهايلوكس، وعندما شاهدنا ركب سيارته وأدار محركها، وتحرك بشيء العصبية والغضب وبشيء من التفحيط الذي أثار الغبار حوله، واتجه جنوبًا وصعد الجبل، واختفى خلفه، لم يمضِ إلا بضع دقائق حتى رأيناه يوقف سيارته قريبًا منا، كان ينوي العراك والمشاجرة، فكيف نقف في الأرض التي تشرف على منزله وأهل بيته؟ فلما رأى رجلًا كبيرًا ومعه زوجته وأولاده وأحفاده، ورأى الأطفال والنساء يملؤون الأرض غير رأيه وهدأت أعصابه، ودعاني، وقال: أنا أتيت لأعزمكم أنت ومن معك لتشرفونا وتتناولوا العشاء معنا، فاعتذر عايض وذكر له أنهم معزومون، وأقسم على ذلك، فقال الرجل: والله لن تذهبوا حتى أعود إليكم، وغادر، وبعد مرور بعض الوقت عاد إلينا ومعه أربعة كراتين رمان، وقال: هذا لك ولمن معك.
يقول عايض: شكرته وغادرنا المكان، وحكى لي هذه الحكاية عندما قابلته، وهو يستغرب من هذا الرجل الذي لا يعرفهم، وجاء للعراك والمشاجرة، ثم يغير موقفه ويأتينا بأربعة كراتين رمان..!! فقلت له ألم تعرفه: فقال لا، فقلت هذا علي بن سالم بن غانم الأخ الأكبر للأستاذ أحمد بن سالم بن غانم أمين عام اللجنة العليا للتطوير الإداري أيامها، وأخو الدكتور عبدالله بن سالم المُلحق الثقافي في البحرين، وأخو الأستاذ عيد بن سالم المدرس في التعليم العام، وعلي بن هذا رجل عرف بعزمه وحزمه من جهة، وبكرمه وجوده من جهة أخرى، وكان الشيخ عايض يسمع عن الأستاذ أحمد والدكتور عبدالله، وتمر الأيام ويتعرف عايض على الأستاذ أحمد بن سالم عن طريق صلة رحم بعيدة بعض الشيء، وينشأ بينهما صداقة وعلاقة أخوية، فيعزمهم عايض إلى منزله، ويأتي معه أخوته وفي مقدمتهم أخوه الكبير علي، وعندما وصلوا إلى منزله، قلت لعايض، وأشرت إلى علي، أليس هذا صاحب الرمان؟ فقال نعم، جاء لمقاتلتنا، وأخيرًا رمانا بأربعة كراتين رمان..!!، وأصبح علي بن سالم وعايض بن عبدالله بن زنان أصدقاء بعد ذلك اللقاء، -رحمهما الله- وأسكنهما فسيح جناته، والله الموفق..
0