كان بشير الشهابي أحد أشهر أمراء جبل لبنان وبلاد الشام إبان فترة الحكم العثماني، وفي ذات يوم قال الشهابي لخادمة: نفسي تشتهي أكلة باذنجان، فقال الخادم: الباذنجان! بارك الله في الباذنجان؛ هو سيّد المأكولات، لحم بلا شحم، سمك بلا حسك، يُؤكل مقليًا، ويُؤكل مشويًا، ويُؤكل محشيًا، ويُؤكل مخللًا، ويُؤكل مكدوسًا. فقال الأمير: ولكني أكلت منه قبل أيام فأصابني منه ألم في بطني. فقال الخادم: الباذنجان؟ لعنة الله على الباذنجان !! فإنه ثقيل، غليظ، نفاخ، أسود الوجه !! فقال له الأمير: ويحك! تمدح الشيء وتذمّه في وقت واحد؟! فقال الخادم: يا مولاي ما أنا إلا خادم للأمير ولست خادمًا للباذنجان؛ إذا قال الأمير نعم، قلت له نعم، وإن قال لا قلت لا. وما أكثر الباذنجانيين وما أكثر الباذنجانيات في أيامنا هذه! مثل قصة الأمير الشهابي وخادمه، تتكرر أحداثها في المجتمعات البشرية عبر الزمان؛ ونرى مشاهدها بأم أعيننا في كثير من المواقف وبخاصة داخل أروقة المؤسسات، فلا تكاد تخلو مؤسسة من مؤسسات القطاعين العام والخاص إلا وفيها عدد من المتملقين؛ الذين لو كح المدير في الصيف؛ كحوا جميعًا، وقالوا: الشتاء! كفانا الله شر الشتاء وأمراض الشتاء ونزلات البرد، وإذا وقع المدير في موقف محرج وبدأ يتصبب عرقًا؛ سخطوا جميعًا على الطقس، وتعوذوا بالله من لهيب الصيف حتى وإن كانوا في عز المربعانية.
سلالة خادم الأمير الشهابي سلالة ولادة تتوارث جينات التملق جيلًا بعد جيل مهما اختلفت الأزمنة وتغير المكان؛ وتحت مسميات وألقاب متعددة ولكن جميعها تصب في نهر التملق وتتهادى على أمواج بحر النفاق؛ فهناك من يُطلق عليهم (ماسحو الجوخ) ويصفهم البعض بلقب (المؤلّفة جيوبهم)، وهناك من يسميهم (مجموعة حيوان)؛ وذلك حينما يحمل أحدهم مجموعة صفات سيئة من عدة حيوانات، إلى غير ذلك من الالقاب التي تدلّ على عقولهم المريضة ونفسياتهم المتأزمة وانتهازهم الفرص للسطو على حقوق الآخرين بغير وجه حق.
هؤلاء الباذنجانيون ينتشرون مثل انتشار النار في الهشيم، يتسابقون على باب المدير أيهم يتملق أكثر، ويتنافسون ليزينوا للمسؤول أخطاءه ويضخموا أوهامه، فلا ينطق المدير بكلمة إلا اعتبروها حكمة ولا يمشي خطوة إلا جعلوها قدوة، تهون عليهم أنفسهم ويرضون بحياة الذل والهوان، ولا يتراجعوا عن تملقهم قيد أنملة حتى لو دفعوا كرامتهم ثمنًا للحصول على أصغر منفعة، وإن تكن سقط المتاع. أما العلاقة بين هؤلاء المتملقين وبعضهم البعض فهي ليست علاقة مشاعر وإنما علاقة مصالح ليس إلا! تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى، فعندما تتقاطع مصالحهم يسود بينهم الود، وينضوي الجميع تحت راية (أمسك لي وأقطع لك) ويصبح شعارهم (يا بخت من نفع واستنفع)، مما يعني تبادل المصالح الشخصية داخل وخارج المؤسسة، ولكن مع ذلك لا يتوانى أحدهم عن ممارسة الضرب تحت الحزام تجاه خصومه إذا ما وجد الفرصة مناسبة للنيل منهم، ولو سنحت له الفرصة لإزاحتهم تمامًا عن طريقه لما تردد لحظة واحدة.
وفي الختام لم أتمنَ في يوم من الأيام أن أكون شاعرًا إلا في هذه اللحظة لأنضم في هؤلاء الباذنجانيين ملحمة شعرية وأسميها قارئة الباذنجان!!
ختامها شعر: يقول الشاعر المبدع عبدالرزاق الهذيل:
النمس يبقـى طـول عمـره وهـو نمـس
والبـوم يحسـب كـل طايـر سـمـا بــوم
وكم جاهل يهرف ولا يعرف الطمـس
لــه عـنـد حـسـادي سوالـيـف وعـلــوم
——————————————
عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة العامة
مقال أقل مايقال عنه بأنه رائع.. كفانا الله شر الباذنجانيون
شكرا لك اخي ابو سلطان ويسعدني مرورك وتعليقك..