“تتأرجح الحياة مثل بندول من اليمين إلى اليسار، من الألم إلى الضجر”
هذه هي الحياة لدى فيلسوف التشاؤم، فقد صورها متأرجحة بين شيئين اختلفا في المسمى وتقاربا كثيراً في الكيفية وتسلسل المضي بين رغبة لم تتحقق ليعمّ الألم، ورغبة تحققت فانتهت رحلة الشغف إليها والولوع بها، فعمّ الضجر وكأنه يوازي:
“طُبعت على كدر”
والحق أن له وجهته ولكل وجهة هو مولّيها، ولعل ما قاله يسوقنا إلى ما يصرّح به ويلمّح انطلاقا من تلك الظروف التي عاشها وإن غضضنا الطرف عن هذا سنجده يحسن في تحليل بعض ما يقف عليه ويتجاوز الحد في بعضه.
الحياة تتأرجح… نعم. ولكن ليس بين ألم وضجر، بل تتقلب في جنبات خير نجهله، ونعيم ربما لم ندرك حقيقته، ولعل الأمر كُلّه خير، وللغيب مفاتح لا نملكها وهذا ما يجرّم صنيعنا بتدخلاتنا الصارخة في تقرير المصير، والفتيا في غاية قبل أن نسلك لها مقصدها.
الحياة تحمل بين طياتها الكثير مما لا نحب، ولكن بها من العدل ما يجعلها تحمل الكثير مما نحب، ولعل استغراقنا أحيانا في لحظة فرضت نفسها في توقيت سيءٍ ولّد ضعفاً يصيب الإنسان بحكم لا يهتدي للصواب ويجانب الحقيقة حتى لا يتقاطع معها بحال، فتخرج تصورات تفسد تلك اللحظة، وتعاقب ذلك المتصور بإفساد ما بعدها من لحظات، وربما تهديه الموت قبل أوانه والهلاك قبل حينه.
ربما هو الإحباط أحيانا من يصنع فينا روح تتصرف على غير المألوف، أو لنقل على غير ما ينبغي، ونتجاوز تعنتاً وجهلاً ما قد يصنعه خيط صنع من صوف هشٍ في صخرةٍ تفتت الجماجم.
لا يحق لنا الخوض فيما ماضي إلا بقد ما نستهدي به، كما لا يحق لنا العبث بمستقبل لا نمللك منه إلا اسمه، ومادمنا لا نملك أدوات الحديث فيه وهي ستار الغيب فلا يحق لنا البناء عليه لأن البناء على قادم مجهول غباء وحمق وظلم وجنون.
حين أخذنا من الماضي ما نستهدي به فإن القادم محل الأخذ كذلك، ولكن بالقدر الذي يصنع فينا دافعاً ويحيي فينا أملاً وينشئ سحاباً ثقالاً من الشغف نحو ما نتمنى وتجاه ما نحلم.
استثمر الكثير من العظماء والمؤثرين تلك العتبة في تفكيك قيود لطالما اثقلتهم، وكسر أغلال قلّما تُكسر، والفضل بعد الله يعود لتلك اللحظة المنتظرة وذلك المستقبل الذي سيروا به جيشا أوله عندهم وأخره عند تلك الغاية.
أخيراً ماضيك ومستقبلك أوقات خارجة عن السيطرة، وبعيدة عن تنفّذك، ولكن لعل فيها ما يوقظ عزيمتك ويولد قوتك، واردم بلا رحمة كل كلمة توحي بأن ما يستقبلك أكثر بؤساً مما يستدبرك، وترفّع عن سقطِ التشاؤم الذي يعززه من ابتلي به، وقل إن مع العسر يسرا.
ختاماً…… قد نتفق مع شوبنهاور في بعض فلسفاته ولكن حتما لن نتفق معه في أن الحياة متأرجحة بين الألم والضجر.
0