يطلُّ شهر رمضان على العالم الإسلامي كل عام؛ فيشيع في ربوعه أجواء روحانية تحمل الكثير من مظاهر الفرح والبهجة والبشر لدى الصغار والكبار، والرجال والنساء على حدٍ سواء، فهو شهر الصيام والقيام وشهر الهدى والقرآن، وشهر الأجر والثواب والخير والبركات، وشهر العبادة والصدقات، وشهر البر والتقوى والإحسان، والرحمة والغفران، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهو شهر عظيم للتزوُّد فيه من الخير والتقوى، والتقرب إلى الله قرآنًا وقيامًا وبرًا وإحسانًا، وفرصة للتوبة وطلب الرحمة من رب العباد الذي يعتبر العتق من النار لمن عمل صالحًا، وأحسن العبادة فيه أجزل العطايا الربانية.
وشهر رمضان المعظم خير الشهور التي أكرم الله بها عباده المسلمين، تصفد فيه الشياطين، وتغلق أبواب جهنم، وتفتح فيه أبواب الجنة معلنة قدوم شهر الرحمة والبركات، وهو الشهر الذي ينتظره المسلمون بفارغ الصبر، فيهنؤون بعضهم البعض بقدومه؛ وكأنه زائر عزيز على قلوبهم يفرحون لمجيئه ويحزنون لرحيله، ويظلون ينتظرونه حتى يحل عليهم في العام التالي.
ولهذا الشهر أهمية خاصة وفضل كبير، ليس فقط لأنه شهر الصيام الذي يعتبر أحد أركان الإسلام الخمسة، وإنما أيضًا لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن رحمة على العالمين، قال تعالى في محكم آياته: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). ومن الأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد على أهمية وفضل شهر رمضان المبارك في الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه) رواه البخاري ومسلم.
وما يميز شهر رمضان هذا العام عودة مظاهره الدينية والروحانية والاجتماعية التي يفرح لها المؤمنون، والتي غابت لعامين بسبب جائحة كورونا، من ذلك أن تكون الصلوات خلال الشهر الكريم بلا تباعد مع الالتزام بلبس الكمامة، وعدم اشتراط إجراء فحوصات تؤكد سلبية الإصابة بفيروس كورونا عند الدخول إلى المملكة، وإلغاء إجراءات الحجر المؤسسي الصحي والحجر المنزلي. وستتجدد روحانية رمضان هذا العام مع صلاة التراويح والتهجد ودعاء القنوت، بما يشيع تلك الأجواء الروحانية المميزة التي يختص بها هذا الشهر المبارك.
ومما يجعل لشهر رمضان هذا العام مذاقًا خاصة أنه في السادس والعشرين منه تحل الذكرى الخامسة لصدور الأمر الملكي بتعيين سمو الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد، وتدشين مرحلة جديدة في تطور ونمو المملكة في كافة الميادين، وبما يفتح المجال أمام تفعيل رؤية 2030 والدفع بها نحو تحقيق أهدافها التي تلبي تطلعات القيادة وطموحات الوطن والمواطن.
بيد أن ما يحز في الأنفس السوية أن يتمادى الحوثيون، ونحن على أعتاب هذا الشهر الفضيل في عدوانهم الجبان على بلادنا بطريقة ممنهجة ومتعمدة من خلال استهداف المنشآت النفطية والأعيان المدنية والمدنيين بما يعدُّ انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والإنساني، وبما يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن الصادرات البترولية واستقرار الإمدادات النفطية، وحرية الملاحة البحرية والتجارة العالمية، وأيضًا كمحاولة لضرب موسم العمرة في الشهر الكريم، وهو ما يتوجب على المجتمع الدولي المبادرة باتخاذ الإجراءات المناسبة الخاصة بمحاسبة الحوثي على جرائمه التي تمسُّ مصالح العالم كله، وليس المملكة فقط، خاصة في ظل أزمة النفط العالمية بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية؛ وحيث يخلي العدوان الحوثي المتكرر على منشآتنا النفطية المسؤولية عن أي نقص في أسواق النفط العالمية.
ما يدعو إلى الاطمئنان أن أمن التراب والمقدسات وأمن المواطن والمكتسبات في هذا الوطن المكين في أيدي أمينة وقيادة حكيمة، وأن جيش المملكة المؤزر قادر -بإذن الله- على ردع وقهر المعتدين. ونحن على يقين ورب العزة والجلال الذي نصر عباده في بدر في بداية الدعوة في السابع عشر من شهر رمضان قادر على أن ينصر أرض الحرمين الشريفين على المعتدين الحوثيين في رمضان هذا العام.