المقالات

المنهج واستدخال القيم

يلعب المنهج دورًا كبيرًا في تشكيل سلوك المتعلم واستدخال القيم؛ لتصبح موصوفة في سلوكه، والمقصود بعملية الاستدخال تعني التكيُّف مع الشيء وأقلمته خلال الجسم والعقل حتى يتبنى الشخص أفكار الغير وكأنها أفكاره، وهذا يكافئ اكتساب القيم والاتجاهات.

إن استدخال القيم هو عائد العملية التربوية، حين يُدخِل المتعلم القيم والميول والاتجاهات في نظام ذاته، ويُصبح موجهًا لها دون رقابة أو إشراف، فيُصبح المتعلم مستجيبًا للقيم وقابلًا لها.

والسؤال الحقيقي: كيف يصل المتعلم لهذا المستوى من القبول والالتزام بالقيم من خلال المنهج؟

إن عملية الاستدخال تمرُّ بعدة مراحل لتصل إلى هذا المستوى، تبدأ بمرحلة الاستجابة (Responding) في المرحلة المبكرة، فيُذعِن المتعلم للتوقعات دون أن يلتزم بها، ثم تليها مرحلة التقييم (Vauing) حين يتم قبول القيمة وتفضيلها والالتزام بها، ثم تأتي مرحلة التنظيم (Organization) حين يتم إدراك القيمة وتنظيمها في الجهاز القيمي، ونصل أخيرًا إلى مرحلة توصيف القيمة (Characterization by Value)، وهي أعلى مراحل الاستدخال التي نرغب وصول المتعلم لها حين تكون القيم موجهة لسلوكه.

إن مرحلة الاستجابة تبدأ عند استقبال معرفة معينة من خلال المنهج المتضمن للعديد من القيم المرغوبة، ثم تتوالى بعدها المراحل اللاحقة، لذلك يتم طرح مجموعة من التساؤلات عند تخطيط المنهج فيما يتعلق بتحديد حقائب القيم التعليمية التي ينبغي على المدرسة تضمينها في برنامجها التعليمي:

• ما المعلومات المرتبطة بالقيمة التي ينبغي نقلها للمتعلم عن طريق المدرسة؟
• كيف يمكن تنظيم هذه المعلومات بطريقة فعالة لتكون جزءًا من المنهج؟
• ما العمليات التي سوف تؤكدها المدرسة للتعامل مع هذه القيم؟
• كيف يمكن ترتيب العبارات عن العمليات في المنهج لتساعد في تطوير استراتيجيات تعليمية فعاله؟
ولعل المطلع على بعض نظريات المنهج العلمانية كالنظرية الجوهرية يرى في تخطيطها للمنهج تطبيقًا مباشرًا على عملية استدخال القيم، فتركز في بناء أهداف المنهج على مساعدة الصغار ليكونوا كبارًا أسوياء، ثم تُضَمّن تذوق القيم في كل موضوعات المنهج، وتركز على الممارسة من خلال تعويد المتعلم على الاتصال بذوي الأخلاق الكريمة حتى تستهويه الأخلاق الفاضلة والخصال الحسنة فتتكون القيم المرغوبة.

وتأتي نظرية المنهج الإسلامية لتحتل مركز الصدارة في عملية استدخال القيم في المنهج عندما تهتم بحاجات المجتمع وثقافته التي تتضمن القيم والعادات، وتحاول إكساب المتعلمين تلك الثقافة، وتُعدّهُم بالمعلومات والمهارات والاتجاهات التي تؤهلهم لمهن المستقبل، بل وتجعل معيار التفاضل بين الناس قوله -عز وجل-: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (القرآن الكريم، الزمر:9)

ويقف النجاح الحقيقي لعملية استدخال القيم عند المعلم في مرحلة تنفيذ المنهج، فهو إما أن يُسهم في سير مراحل استدخال القيم نحو المأمول منها من خلال القدوة وتشجيع المتعلمين على الاكتشاف واستخدام المصادر للوصول إلى التعميمات المنطقية، أو أن يكون عائقًا دون ذلك حين يركز على التعليم القائم على الحفظ والاستظهار.

المراجع:

بوشامب، جورج. (1987). نظرية المنهج. (ممدوح سليمان وبهاء الدين النجار ومنصور عبد المنعم، مترجم). الدار العربية للنشر والتوزيع.
قلادة، فؤاد سليمان. (2006). نظرية المنهج والنموذج التربوي. مكتبة بستان المعرفة.
موسى، عبد الحكيم. (1997). نظرية المنهج في ضوء واقع النظرية التربوية. جامعة أم القرى.

—————

باحثة الدكتوراة
جامعة أم القرى

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button