بعـد سنة من تعيين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز أميرًا لمنطقة مدينة المنورة (في نوفمبر 1999) تأسست جامعة طيبة ــ التي تعدُّ حاليًا ثالث أقوى جامعة في السعودية. تأسست من خلال دمج كليات متفرقة في المدينة المنورة (تابعة لجامعتي الإمام في الرياض، والملك عبد العزيز في جــدة) بإمكانيات بسيطة ومباني جاهزة التركيب. كان بعض المسؤولين أنفسهم (في تلك الكليات) لا يؤيدون فكرة الدمج كون إمكانياتها لم ترقَ لمستوى جامعة كبيرة. غير أن الأمير مقرن كانت له نظرة مختلفة مفادها: “أن نبدأ بأي طريقة ومستوى، خـير من أن لا نبدأ أبدًا”..
وبفضل إصراره تم فعلًا إنشاء جامعة طيبة عام 2003 بسبع كليات، تطورت بالتدريج إلى أكثر من 30 كلية هذه الأيام. ارتفع عدد طلابها من 7,700 طالب في أول عام دراسي إلى أكثر من 80,000 ألف طالب حاليًا (مع قفزة هائلة في المنشآت المعمارية وامتلاك كل كلية لمبناها الخاص)..
وكانت كلية الطب في جامعة طيبة (التي تخرجت منها أول دفعة في عام 2007) من الكليات التي عانت مخاضًا عسيرًا حتى وصلت للمستوى الذي هي عليه الآن. لم تكن لتظهر لو أن الأمير وافـق أو اقتنع بآراء من اعـترض على ظهورها لضعف الإمكانيات (التي كان أبرزها عدم وجود مستشفى جامعي لتدريب الأطباء).. مازلت أذكر زيارة المسؤولين في الجامعة للأمير في مكتبه بالإمارة لشرح معوقات إنشاء كلية حساسة كهذه. استمع لكافة الآراء قـبل أن ينطق ويبدي رأيه قائلًا: “إن انتظرنا تحقق كافة الشروط التي ذكرتموها، لن تظهر الكلية أبدًا، ولن نحصل مستقبلًا على مستشفى جامعة ولهذا السبب أرى أن نبدأ بإنشاء كلية الطب، وبعـدها يمكننا طلب مساعدة الدولة لتلبية كافة الاحتياجات”…
وبالفعل ظهرت كلية الطب في المدينة المنورة من خلال دراسة الطلاب ــ في أول عام ــ في أقسام الأحياء والكيمياء الطبيعية بكلية العلوم.. وفي العام التالي ظهرت في الكلية أقسام الكيمياء الحيوية السريرية والتشريح ووظائف الأعضاء .. وفي العام الثالث تم إنشاء ثلاثة أقسام جديدة هي علم الأمراض والطفيليات والكائنات الدقيقة اعتمادًا على البرنامج الدراسي لكلية الطب البشري بجامعة الملك عبد العزيز بجدة…
وهكذا نمت الكلية بالتدريج، وتطورت بسرعة، وانتقلت إلى مبنى ضخم ومستقل، وعقدت شراكات عالمية من جامعات عالمية عريقة لتصبح اليوم واحدة من أقوى كليات الطب في السعودية ـــ في حين حصلت الجامعة ككل على المركز الثالث على مستوى الجامعات السعودية (بحسب تصنيف وزارة التعليم في فبراير 2019)..
ماذا نتعـلم من كل هـذا ؟
نتعـلم عــدة دروس في طرق العمل والإنجـاز (تهمك حتى على المستوى الشخصي) أهـمها:
1ــ أن تبدأ بـأي إمكانيات، خير من أن لا تبــدأ أبـدا.
2 ــ أن انتظار تحقق (كافة شروط والمتطلبات) يقتل الإنجاز في مهده، ويعـني عـدم ظهوره مقدمًا.
3 ــ أن الإصرار كفيل بتجاوز أي عـقبات (وبقدر إصرارك تحصل على مبتغاك).
4 ــ أن المهم في أي إنجاز هـو (التأسيس)؛ لأن مراحل النمو التالية (مهما تأخرت) ستكتمل ذات يوم.
5 ــ أن التـفاؤل بالأفضل يجعلك مؤهلًا لتحقيق الأفضل (وهذا بالفعل ما شجع الدولة على تقديم المزيد).
6 ــ وأخيرًا؛ أن الاعـتذار (برقم 1 و2) هـو نوع من التسويف اللاواعي الذي يخدع حتى أصحابه (كونه يبدو من الخارج واقعيًا ومعـقـولًا).
… وللتاريخ؛ صاحب السمو الملكي الأمير “مـقـرن” لم يكتفِ بذلك، بــل أنشأ جامعة أهلية مسـتقلة تحول اسمها لاحقًا إلى “جامعة الأمير مقرن” تكريمًا لـه ووفـاءً من أهـالي المدينة المنورة…
0