د. عبدالله علي النهدي

جماعة الحوثي الفرسو أمريكية

لن نأتي بجديد إذا قُلنا: إن السياسة ليس فيها عدو دائم أو صديق دائم، ولن يكون غريبًا إذا قلنا: إن أمريكا ليس لها صديق دائم ولا حتى مصالح دائمة، وليس لها مواقف ثابتة، ولا تلتزم بعهود أو مواثيق. بل إن الأيام أثبتت أن أكثر الجماعات التي تدّعي العِداء مع أمريكا؛ هي أكثر الجماعات قُربًا منها -إن لم تكن- تلك الجماعات قد خرجت في الأساس من رحم الاستخبارات الأمريكية، وبالتالي إما أن تكون أمريكا هي الأم الحقيقية لتلك الجماعات، وإما الأم بالتبني، وفي كلتا الحالتين فإن حبل الود يبقى متصلًا بينهما، والأمثلة على ذلك كثيرة وعبر عقود من الزمن؛ ولكن يكفي أن نستحضر المواقف الأمريكية الأخيرة مع طالبان والقاعدة وجماعة الإخوان وداعش والحشد الشيعي أقصد الشعبي، وحزب الشيطان اللبناني، وآخر تلك المواقف هو علاقتها بجماعة الحوثي الإرهابية. فمنذ الأيام الأولى للأزمة اليمنية فإن الناطق الرسمي باسم العصابة الحوثية، محمد عبد السلام، قد صرَّح للإعلام، إنهم لم يدخلوا صنعاء إلا بعد أن تم التنسيق مع عدد من السفارات الغربية، وبكل تأكيد فإن السفارة الأمريكية كانت في مقدمة تلك السفارات؛ ولذلك لم يكن مستغربًا في ليلة سقوط العاصمة صنعاء أن كانت جميع السفارات الغربية بما فيها السفارة الأمريكية تعمل بشكل طبيعي وبكامل طواقهما المختلفة، ودون أي مؤشرات للقلق أو الخوف. كما أنه وفي الوقت الذي قد انتشر فيه المسلحون الحوثيون في جميع أرجاء العاصمة واقتحموا الوزارات وكافة مؤسسات الدولة، لكنهم بالطبع لم يقتربوا من سفارة واشنطن وسفارات الدول الغربية الأخرى، وهم الذين كانوا يهددون بطرد السفير الأمريكي لمجرد دخولهم إلى العاصمة صنعاء، وحتى عندما أراد طاقم السفارة الأمريكية المغادرة بمحض إرادتهم؛ قام الحوثيون بفتح الطرق أمام العربات المصفحة التي أقلت طاقم السفارة الأمريكية بصنعاء إلى المطار، ولم تعترض سيرهم.

إيران التي كانت في بداية الحرب تنفي تسليحها للحوثيين، اعترفت بعد ذلك بأن الصواريخ التي يطلقها الحوثيون باتجاه الأراضي السعودية هي صناعة إيرانية تسميهما (زلزال 3)؛ ومن هنا يأتي التساؤل: كيف دخلت تلك الأسلحة والصواريخ الإيرانية إلى الحوثيين إذا لم يكن هناك ضوء أخضر أمريكي يسمح بحدوث مثل هذا الأمر (وعند مساعدات الأمم المتحدة الخبر اليقين!!).

جماعة الحوثي التي خرجت من كهوف صعدة وأفرادها لا يعرفوا الفرق بين جهازي الراديو والكمبيوتر، يصعب أن نصدق كذبة قدرتهم على إرسال طائرات مسيرة عبر آلاف الكيلومترات حتى تصل الأراضي السعودية أو الإماراتية، مالم يكن خلف تلك العمليات دعم غربي يقف على رأسه خبراء أمريكان، وفي أوضح اعتراف امريكي بدعم الحوثيين كان تصريح جنرال رفيع المستوى لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية بأن أمريكا تدعم الحوثيين في اليمن لمحاربة ما أسماه الإرهاب الإسلامي وأن أمريكا هي من سلمت اليمن للحوثيين، وهي من تدخلت لإنقاذهم وحالت دون سقوطهم بوضع الخطوط الحمراء حول صنعاء والحديدة وصعدة، ومنعت الجيش اليمني من التقدم، وفتحت ميناء الحديدة لدعم الحوثيين بمختلف أنواع الأسلحة بما فيها الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وفي المقابل ساهمت في إفشال عمل الحكومة الشرعية وتفكيك الجيش اليمني ومنع تزويده بالأسلحة الثقيلة المتطورة !!

وفي مقال لـ”باك ماري بيري” في مجلة” فورين بوليسي” قال الضابط الأمريكي: إن قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال لويد أوستن الذي أصبح وزيرًا للدفاع في حكومة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد انزعج من تدخل قوات التحالف ضد الحوثيين؛ حيث يقول: إننا كنا ندعم بهدوء قتال الحوثيين ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت!!

أما عن شعار الحوثيين “الموت لأمريكا الموت لإسرائيل”؛ فقد ذكر الجنرال الأمريكي أن هذا مجرد شعار لا حقيقة له على أرض الواقع فنحن نتواصل مع الحوثيين عبر القنوات الخلفية وهم شركاء وحلفاء لنا في محاربة ما أسماه الإرهاب الإسلامي، وأشار الجنرال الأمريكي إلى وجود اتفاقية مع الحوثيين؛ حيث ينصُّ أول بنودها على تمكين الحوثيين من اليمن مقابل قيامهم بضرب الإسلاميين في جزيرة العرب، كما نص البند الثاني على أن يقوم الطيران الأمريكي بدون طيار «الدرونز» بإسناد جوي لدعم الحوثيين، أما البند الثالث فينص على أن تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية بدفع تكاليف الحرب ودفع رواتب المقاتلين الحوثيين ورعاية أسر القتلى الحوثيين وعلاج جرحاهم، وذكر أن الحوثيين اشترطوا على أمريكا سرية هذا الاتفاق!! وقد كشف موقع «انتيليجنس أون لاين» الاستخباراتي الفرنسي، أن محطة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) في صنعاء، تلقت توجيهات من واشنطن بتكثيف تعاونها مع مليشيات الحوثي، لا سيما فيما يتعلق بجمع المعلومات الاستخباراتية عن تنظيم القاعدة، مما يعني أن التنسيق المشترك بين الحوثيين والولايات المتحدة أصبح أمرًا واقعًا!! لا شك أن انفتاح المملكة في علاقاتها على دول الشرق والغرب مثلما فعلت مع الصين وروسيا أصبح هاجسًا يقلق كثير من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، كما يخيفهم الموقف السعودي القوي المتمثل في عدم الرضوخ للضغوط الغربية فيما يتعلق بإنتاج البترول وخاصة في ظل ظروف الأزمة الروسية الأوكرانية، يحاولون الضغط على المملكة من خلال عدد من المواقف الغربية والأمريكية المتخبطة، والتي أصبحت محل سخرية حتى في الشارع الغربي نفسه، ولا يعلمون أن السعودية أولًا وقبل كل شيء محروسة بعين الرحمن، وستتحطم كل المؤامرات الدنيئة ضدها أمام صخرة التوحيد، وسيتم تمريغ أنف كل معتدٍ على تراب أرض الهدى ومنبع الرسالة المحمدية، وربما يغيب على كثير من الدول الغربية أن قوة المملكة العربية السعودية تكمن في قوة تمسك الشعب السعودي وقيادته بعقيدتهم الإسلامية، ومن ثم في قوة التحام الشعب بقيادته -حفظها الله- وثقته الكبيرة في كافة القرارات التي تتخذها حيال الأحداث والقضايا على كافة الأصعدة وعبر عقود من الزمن.

الخاتمة:
اللهم ونحن في هذه الأيام المباركة من شهر رمضان الكريم؛ نسألك أن تحفظ المملكة العربية السعودية؛ قيادةً وحكومةً وشعبًا وكل من يقيم على أرضها الطيبة بحفظك وأحفظ سائر بلاد المسلمين، ونعوذ بك اللهم من شر كل من أراد ببلاد الحرمين الشريفين شرًا وندرأ بك في نحره.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button