الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، كتب الله على المسلمين الصيام كما كتبه على الأمم السابقة كفريضة وشعيرة تعبدية؛ حيث يمثّل شهر رمضان حدثًا عظيمًا في تاريخ المسلمين وحضارتهم، وهو جزء لايتجزّأ من شريعتهم؛ فقد نزل فيه الوحي قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) في ليلة القدر المباركة التي فتح الله بعدها القلوب إلى طريق الحق والهداية.
والحقيقة نال هذا الشهر المبارك عنايةً خاصةً من المسلمين بالطاعة والعبادة؛ حيث انتصروا فيه على أنفسهم؛ فنصرهم الله على أعدائهم في مواطن كثيرة.
ويكفينا أن نشير إلى حدثين عظيمين تحقّق فيهما النصر والتفوّق للمسلمين بقيادة النبي محمد، وكلاهما وقعت في العهد المدني:
الأولى في معركة بدر يوم الفرقان في السنة الثانية من الهجرة؛ حيث التقى الجمعان بدون ميعاد مسبق في سيد الأيام يوم الجمعة ١٧ رمضان، وكتب الله فيه النصر لعباده المؤمنين قال تعالى: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) وقال تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ) بتوفيقه وحكمته، وقد حصل ذلك في محافظة بدر الحالية في جهة المدينة مع بداية استقرار النبي وبناء المجتمع الإسلامي هناك؛ فكان هذا الانتصار والفتح فاتحة خير لهم بنصر آخر من الله قضى فيه على قوة قريش الطاغية بمكة المكرمة في السنة الثامنة من الهجرة في بداية العشر الأواخر من رمضان حينما دخلها النبي من أعلاها من جهة (الحجون حاليًا) خاشعًا متذللًا لله بعد ما خرج منها خائفًا حذرًا من أسفلها (حي المسفلة) يوم الهجرة.
وترتب على ذلك الفتح المبين نصر المسليمن وعلو شأنهم وتمكينهم في الأرض بقيادة النبي عليه الصلاة والسلام، وهزيمة الوثنية ونهاية المقاومة القرشية، ودخول الناس في دين الله أفواجًا وقضي الأمر، والحمدلله رب العالمين.
وفي الختام نعيش اليوم في (رمضان) سيد الشهور ذكرى تلك الانتصارات والفتوحات الربانية التي نستذكر فيها الأمجاد وبطولات النبي وأصحابه الكرام؛ وذلك لاستلهام العظات والعبر، ومعرفة مدى ما بذلوه من نصرة للدين، وما قدموه من التضحيات بالمال والحال في سبيل الله؛ حيث ضربوا لنا أروع الأمثلة في الثبات والصبر، جزاهم الله كل خير على صنعوه، وما عند الله خير وأبقى.