المقالات

نَحنُ والكَونْ

رَاقِبْ كِياناتنَا واسْبُرْ خَفايانَا
ما السِّرُّ في هَذِهِ الآفَاقِ إلَّانَا

مِن وَحيِنَا قَدَّ جِرْمُ الأرضِ هَيكَلَهُ
ثُم اسْتقرَّ كتَابًا في حنَايَانَا

فاقرَأْهُ فِينا وخُذْ من نَارِنَا قَبسًا
وارْجِعْ إلى الطُّورِ واسْجُدْ ثَمَّ إيمَانَا

في الكَوْنِ مِنَّا على أحْوَالِنَا شَبَهٌ
يُتلَى ونَحنُ على جَهْلٍ بِفحْوَانَا

مَا كَانَ أن أبْحَرَتْ فِينا مَرَاكبُنَا
ولا تَرَصَّدَ مِسْبَارٌ زَوَايانَا

لمْ نَخْتَرِقْ صَمتَنَا لمَّا تَسوَّرَنَا
ولا تَنَاهَى إلِينَا صَوْتُ نَجْوَانَا

تَعَالَ نقْرَأ سَطورًا مِن مَلامِحِنَا
لمَّا تَخُطُّ رُؤاهَا في مَرَايانَا

وانْظُرْ إلى صُوَرٍ مِن خَلفِهَا صُوَرٌ
ثُمَّ ارْجِعِ الطَّرْفَ مَكسُورًا وحَيرَانَا

تَلْقَ التَّفاصِيلَ فِيما حَوْلَنَا انْعَكَسَتْ
مِنَّا فَإنْ جَالَ فيها القَلْبُ يَلقَانَا

تَلْقَ الجِبَالَ أنَاسِيًّا مُهِمَّتُهُمْ
تَثبيتُنا عِندمَا تَرْتَجُّ دُنيانَا

جَاؤوا إلى الأرْضِ أوْتادًا فمَا بَرِمُوا
وهُمْ أرَقُّ عِبَادِ اللهِ أرْكَانَا

أمَّا السُّهُولُ التي تَرتَاحُ نَاضِرَةً
فَهي انْثِيالُ النَّدَى والطِّيبِ إنْسَانَا

قَد مَدَّدَ الخَيرُ في جَنبَيهِ أفْرُعَهُ
وانْهلَّ قَطْرُ العَطَايَا أينمَا كَانَا

تَلْقَ الثُّلُوجَ أحَاسيسًا مُجَمّدةً
آنٌ يُزلزِلُ في أعْطافِهَا آنَا

تَرنُو لِدِفْءٍ رَبيعيٍّ يُحرِّكُها
حتى تُرَقْرِقَ فينا الأنْسَ غُدْرَانَا

والأمْنِياتِ أعَاصيرًا تدُورُ بنا
حتى تُضيِّعَنَا مِنَّا وتنسَانَا

تقفُو السَّرَابَ وإنْ كنَّا على ثِقَةٍ
مِنها فَأضْعفُنَا بِالوَهْمِ أقْوَانَا

قد وَزَّعتْ في مَدَى الأرْوَاحِ أذْرُعَهَا
وَلَمْ تُغادِرْ منَ الأجْسادِ شُرْيانَا

لمَّا تُدَوِّمُ فينا نَرتَمِي لُجَجًا
يَطفُو لِمَوْعدِنَا المَأمُولِ مَرْسَانَا

ولَو نظَرْتَ إلى المَوْتُورِ كُنتَ تَرَى
كلَّ المَوَاسِمِ في عَينيهِ نَيْسانَا

وافَى الحَياةَ وقد كَانَتْ مُهَيِّئةً
لِلهمِّ في رُوحِهِ سِجنًا وسَجَّانَا

فامتدَّ في صَدْرِهِ وانْصَبَّ في دَمِهِ
واحْتلَّ سَاحَاتِهِ الخَضْرَاءَ بُرْكَانَا

والمُثقلُونَ جُذُوعٌ عُمِّرَتْ كَبَدًا
والأرْضُ من فَوقِهِمْ تَنكَبُّ كُثبانَا

أرَواحُهُمْ تَرصُفُ الأيَّامَ أضْرِحَةً
في مَهْمَهِ العُمْرِ تَسليمًا وإذعَانَا

حتَّى تَراهُمْ تَمَاثِيلًا مُنصَّبَةً
تَتلُو على شَاهِدِ التَّارِيخِ فُرقَانَا

والعَاشُقُون رَبيعٌ في بَسِيطتِنَا
يَمتدُّ فَوق شِتاءِ الأرْضِ أحْضَانَا

يَحلو النَّسيمُ إذا مَا حَانَ مَوعدُهُمْ
والوَسْمُ يسْتنطِقُ اللحْظَاتِ نَشْوَانَا

والحُبُّ يغسِلُ وَجْهَ الليلِ مُبتدِعًا
للفَجْرِ فيه تَرَاتيلًا وألْحًانًا

وانظُرْ إلينَا وأعْنِي الصَّابِرينَ هُنا
والوَقْتُ يُنضِجُنَا في نَارِ بَلْوَانَا

نَحْنُ الذينَ وَهَبْنَا الأرْضَ صُفْرَتَهَا
كَمْ للفَيَافِي جُذُورٍ في خَلايَانَا

أنْفَاسُنَا هذهِ الأنْواءُ نُرسِلُها
لمّا تَهزُّ المَآسِي جِذْعَ فَوضَانَا

تَرمِي البَرَاكينُ في أكبَادِنَا حِمَمًا
تَحْتلُّ أعْمَاقنَا خِصْبًا وعُمرَانَا

ولَو تَعَاهَدَنَا غَيثٌ لأنبَتَنَا
من جَدْبِنَا فاسْتَوينَا من بَقايَانَا

تلهُو الزَّلازِلُ في أعْماقِنَا ولهَا
هَوْلٌ يُزعزِعُ أمْنَ الأرْضِ أحْيانَا

فإن حَبسْنَا صَدَى أصْوَاتِنَا ثَقُلَتْ
أحْمَالُنَا فَوقَهَا وانَهَدَّ مَرْسَانَا

وإن كَسَرْنَا حُصُونَ الصَّمتِ ثَانِيةً
عَادَ اللهِيبُ علينَا من شَظَايَانَا

والسَّائِرُونَ مع الأيَّامِ في دَعَةٍ
يَرعاهُمْ المَوْجُ إمّا اشتَدَّ أو هَانَا

يَستسلِمُونَ لتَهويمِ الزَّمَانِ بهم
يَطوُونَ أعْمَارَهُمْ تِيهًا ونِسيَانَا

يُغْضُونَ عن وِجْهةِ الأيَّامِ في عَمَهٍ
كالغُصْنِ يَأبَى لأمْرِ الرِّيحِ عِصْيانَا

أمّا الطُّفُولةُ سَاحَاتُ البَياضِ فَكمْ
مَدَّتْ إلى جَدْبِ هذا الكَونِ أغْصَانَا

تَرمِي بَرَاعِمَهَا في وَجْهِهِ ألَقًا
والخِصْبُ من حَولِهَا ينْهلُّ ألوَانَا

تَرَى المُرُوجَ تُغنِّي في مَلَامِحِهَا
لمَّا تُخَالطُهَا الأفْرَاحُ أحْيَانَا

وَإنْ غَشَاهَا سَدِيمُ الحُزنِ مِلتَمِسًا
لليُتمِ في صَدْرِهَا المَفتوحِ مَيدانَا

ألفَيتَ فيها شِتَاءاتٍ مُطوَّلةً
تَنثالُ فوقَ مَدَانا الكَهلِ أشْجَانَا

أمَّا المَشِيبُ تَراتِيلُ الخَرِيفِ فَقد
أهْوَى على سُفُن الأيَّامِ طُوفَانَا

فَاغَتالَنَا الخَوفُ في سِردَابِ غَيبَتِنَا
حتَّى غَدَا النُّورُ والظّلماءُ سِيَّانَا

وانْجَابَ فِي إثْرِهِ مَا كَانَ مِن صَخَبٍ
فَالوَقتُ خَطْوُ غُروبٍ في حَنَايانَا

ينسابُ فِينا مِزاجًا غَائمًا قَلِقًا
حتّى لَنَسمعَ هَمسَ الغَيبِ إعْلانَا

أنَهارُنَا تَنطوِي فِينا وقد نَضبَتْ
فيها الحَياةُ وطَالَ الجَدْبُ مَرعَانَا

ولِلفُراتِ الّذي كم طَابَ مَشربُهُ
ما لِلأُجَاجِ الّذي ما بَلّ ظَمْآنَا

أرْوَاحُنَا حُفُرٌ تَحوِي السَّرابَ وقد
كَانتْ تَمُوجُ بُحَيراتٍ وخُلجَانَا

والحَاقِدُون كأحْراشٍ مُعرّشةٍ
تَرعى الأفَاعي زُرَافَاتٍ وَوِحْدَانَا

دَعهُمْ وسِرْ وَادِعًا فَالكونُ في شُغُلٍ
عَنهُمْ وإن بالَغُوا في الكَيْدِ إمْعَانَا

واجْتَزْ حَرَائِقَهُمْ في الأرضِ
مُبْتهِلًا وسَوفَ تُخمِدُهَا الأيَّامُ خِذلانَا

والطَّيبونَ نَخيلٌ باسِقٌ فإذا
نَالتْهُ أيْدِي الرَّدى بالخَيرِ وَافَانَا

وَصَدَّ عَنَّا لَهيبَ الشَّمْسَ مُنبسِطًا
وكُلّما زادَ وَهْجُ القَيْظِ أعْطَانَا

هُم الذينَ يَمُدُّون الطُّيُوبَ لنا
إن أبْطَأ الخِصْبُ عَنّا أو تَخطّانَا

فَاقرَأ فَفِي كُلِّ وَجهٍ قِصّةٌ كُتِبتْ
تَلقَى لَهَا فِي أثِيرِ الكَوْنِ عُنْوَانَا

وَحَولَ كُلِّ فُؤَادٍ ألْفُ خَابِيَةٍ
إنْ شِئْتَ مَقْبَرَةً أو شِئْتَ بُسْتانَا

فَإنْ تَجَلَّتْ إلى الرُّؤيَا بَصَائِرُنَا
طُفْنَا مَقَامَاتِهَا عِلمًا وَإيمَانَا

وإنْ طَوَيْنَا شُرُودًا دَهرَ غُربَتِنَا
جُبْنَا تَفَاصِيلَنَا صُمًّا وعُميانَا

فَاقرَأْ فَأعْمَاقُكَ الأسْفَارُ مُدَّكِرًا
واخْشَعْ لِتنْكَشفَ الآفَاقُ تِبْيانَا

تِلكَ القِرَاءَاتُ تَمْضِي فِيكَ قَائِلَةً
سَبْحَانَ مَنْ مِنْ أدِيمِ الأرْضِ سَوَّانَا

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button