يأتي الإعلان عن التوسعة التاريخية لمسجد قباء التي أمر بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في أثناء زيارته لمدينة الرسول صل الله عليه وسلم في السابع من رمضان لعام 1443 للهجرة لتوثق أهمية وقيمة الزمان والمكان؛ فالشهر هو أعظم شهور العام، فهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن وشرع فيه الصيام. وأما شرف المكان فينبثق من المدينة التي استقبلت الرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي المدينة التي احتلت مكانة إسلامية عظيمة، فقد هاجر إليها سيد ولد آدم قبل ألف وأربعمائة وثلاثة وأربعين عامًا ليؤسس فيها دولة الإسلام الأولى. وقد اختار الله عز وجل أن تحط رحال النبي صل الله عليه وسلم في هذا المكان تحديدًا مكان مسجد قباء اليوم بعد خروجه من مكة المكرمة إلى يثرب آنذاك، ففي بقعة ما من المدينة المنورة حطت ناقة رسول الله رحلها، على أنها بقعة مباركة فقد قال النبي لعلي بن أي طالب “أرخ زمامها وابنوا على مدارها فإنها مأمورة” ثم بني فيها مصلى وهو ما يعرف اليوم بمسجد قباء حيث بناه الرسول محمد في الأيام الأولى لهجرته إلى المدينة ليكون مكانًا لصلاة المسلمين؛ وهو أول مسجد في تاريخ الإسلام.
والمدينة المنورة، إلى ذلك، كانت ملتقى المهاجرين والأنصار، والعاصمة الإسلامية الأولى التي انطلقت منها ألوية الجهاد الأولى لتبعث نور الإسلام إلى العالم، وسماها النبي طيبة، وسماها الله طابة، وهي حرم آمن بعد مكة المكرمة، كما أن الإيمان يأرز إليها كما تأرز الحية إلى جحرها كما في بعض الأحاديث المروية. ولا عجب اذا أن تحتل المدينة المنورة قائمة اهتمامات القيادة الحكيمة وحكومة المملكة العربية السعودية منذ توحيد هذه البلاد المباركة ورعاية الحجيج والزائرين هي من أكبر وأجل مهام ملك البلاد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين يحفظهما الله.
يقع المسجد في الجنوب الغربي من المدينة المنورة، ويبعد مسافة 3.5 كيلومترات عن المسجد النبوي أي ما يقارب مقدار نصف ساعة بالمشي المعتدل. ولمسجد قباء فضل عظيم. ولذلك، وثقت قيمة الصلاة فيه عدة أحاديث صحيحة؛ فقد ورد فيه قول الرسول محمد صل الله عليه وسلم: “من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء وصلى فيه كان له كأجر عمرة”. كما ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم أن النبي كان يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيًا وراكبًا فيصلي فيه ركعتين. وبذلك فقد احتل هذا المسجد مكانة تاريخية عظيمة جدًا لمليار ونصف من المسلمين، وكافة قاصدي البيت الحرام الذي يأتون للحج والعمرة من كل بقاع الأرض.
ولما كان لمسجد قباء مكانة عظيمة دينيًا وثقافيًا وتاريخيًا فقد حظي باهتمام ورعاية كبيرين من قِبَل هذه الدولة المباركة، ولايخفى على زائري المدينة النبوية المكانة العظمية والرعاية والاهتمام الكبير الذي توليه حكومة المملكة العربية السعودية للمساجد وبيوت الله، وبالأخص هذا المسجد العظيم الذي يعد ثالث المساجد أهمية دينيًا بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة فقد حظي بتوسعتين أولها في عهد الملك فيصل رحمه الله حيث تم ضم مأذنة المسجد لبنائه كما تمت إضافة مدخل خاص للنساء ثم توسعة أخرى في عهد الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله حيث قام الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود بوضع حجر الأساس لتوسعته في عام 1405 هـ، وانتهت أعمال التوسعة عام 1407 ه، بلغت مساحة المصلى وحده 5000 متر مربع، وبلغت المساحة التي يشغلها مبنى المسجد مع مرافق الخدمة التابعة له 13500 متر مربع، وأصبح يستوعب 20.000 مصلٍّ.
ولا شك أن المبادرة بالتوسعة التاريخية العظيمة التي وجه بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في هذا العهد المبارك، يأتي تحقيقا لأهداف ومستهدفات رؤية المملكة 2030 ضمن برنامجي خدمة ضيوف الرحمن و جودة الحياة كما أشار لهذا صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والتي تقضي بتوسعة تاريخية كبيرة لمسجد قباء مبادرة عظيمة وعمل جليل. وبحسب بعض المعلومات التي رشحت، فإن مشروع الملك سلمان يهدف لتوسعة مسجد قباء وتطوير المنطقة المُحيطة به، ورفع المساحة الإجمالية للمسجد لـ 50 ألف متر مُربع بواقع 10 أضعاف مساحته الحالية البالغة 5.035 متر مُربع، وبطاقة استيعابية تصل إلى 66 ألف مُصلٍّ. ويُعد المشروع أكبر توسعة في تاريخ مسجد قباء مُنذ إنشائه في السنة الأولى من الهجرة. ويركز المشروع على ربط مسجد قباء الحالي بساحات مظللة من الجهات الأربع متصلة وظيفيًا وبصريًا بمصليات مستقلة غير ملاصقة بنائيًا لمبنى المسجد الحالي مع توفير الخدمات اللازمة كافة والتابعة للمسجد، كما سيتم رفع كفاءة مبنى المسجد القائم حاليًا بمنظومة الخدمات المصاحبة له وتحسين شبكة الطرق والبنية التحتية المحيطة لرفع كفاءة التفويج وسهولة الوصول للمسجد وإيجاد حلول جذرية للزحام وتعزيز أمن وسلامة المصلين، إضافة إلى تطوير وإحياء عدد من جملة المواقع والآثار النبوية ضمن نطاق المسجد وساحاته.
كما أن هذا المشروع سيكون شاملًا من حيث رفع كفاءة هذا المسجد التاريخي الإسلامي ليحظى الزائر للمدينة النبوية بتجربة إثرائية تعبدية وثقافية عبر المواقع التاريخية المحيطة بالمسجد، كما يشتمل المشروع على تطوير وإحياء المواقع التاريخية المجاورة لمسجد قباء لتشمل 57 موقعًا تغطي العديد من الآبار والمزارع والبساتين وتربط ثلاثة مسارات نبوية بين المسجد النبوي ومسجد قباء ومواقع تاريخية أخرى سيكون له أكبر الأثر في تعزيز المكانة العظيمة لهذه البقعة المباركة . ولايخفى على أحد الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية التي سوف تؤثر بشكل ايجابي و مباشر في خلق فرص وظيفية لشباب المدينة المنورة وتعزز البنية الاجتماعية لأهل المدينة ساكنيها و زوراها.
على أن من المهم لمشروع كهذا، يهم كل مسلم ومسلمة في أنحاء العالم، إضافة قناة إعلامية تُسمَّى باسم “قناة مسجد قباء” تكون محاكية لقناة القرآن الكريم وقناة السنة النبوية، وتكون منبراً لنشر الدين الاسلامي الحنيف وتوثق جهود حكومة المملكة العربية السعودية في رعاية بيوت الله، ولاسيما أن لمسجد قباء أئمة ومؤذنين مشهودًا لهم بالأصوات المميزة والعلم والإيمان. نسأل الله التوفيق لهذه المشاريع الضخمة والعملاقة وأن ترى النور قريبا ويشمل نفعها كل زوار وقاصدي المملكة العربية السعودية من الحجاج والمعتمرين والمسلمين في العالم أجمع وأن يحفظ الرحمن قادة هذه البلاد المباركة وينصرهم بنصره ويؤيدهم بتأييده ويعلي راية التوحيد.
——————
جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل