جاء إعلان وزارة الحج والعمرة عن رفع عدد حجاج موسم حج هذا العام (1443هجري، 2022م) إلى مليون حاج من داخل المملكة وخارجها، واقتصار هذا العدد لمن هم دون الخامسة والستين من أعمارهم – وذلك وفقًا للحصص المخصصة للدول، مع ضرورة التزام الحجاج بالإجراءات الاحترازية مع اشتراط استكمال التحصين بالجرعات الأساسية بلقاحات “كوفيد-19” المعتمدة، واتباع التعليمات الوقائية خلال أداء مناسكهم حفاظًا على صحتهم وسلامتهم- جاء هذا الإعلان بمثابة بُشرى سارة في الشهر الفضيل لجموع المواطنين والمقيمين في المملكة وللمسلمين في جميع أنحاء العالم.
ويأتي هذا القرار بعد أن اقتصر الحج عام 2020 على 1000 حاج على إثر تفشي فيروس “كوفيد-19″، ثم زيادة العدد عام 2021 إلى 60 ألف حاج من المواطنين والمقيمين داخل المملكة، بسبب استمرار تطورات الجائحة وظهور تحورات جديدة للفيروس في العالم. كما يأتي بعد حوالى خمسة أشهر من صدور الموافقة الكريمة على تخفيف الاحترازات الصحية بعد التقدم الملموس – ولله الحمد- الذي تحقق لبلادنا في الحد من انتشار الفيروس، عندما ساهمت معظم أجهزة الدولة، وعلى رأسها وزارة الصحة، بفاعلية ونجاح في مواجهة تداعيات الجائحة؛ وحيث اعتبر ما حققته المملكة من إنجاز على هذا الصعيد مصدر إشادة وإعجاب من قبل المجتمع الدولي، وهو ما ترجمته شهادات العديد من المسؤولين على الصعيد العالمي، وفي مقدمتهم مدير عام منظمة الصحة العالمية الدكتور (تيدروس أدهانوم) الذي قال: “أتقدم بخالص الشكر والتقدير للملك سلمان؛ لقيادته وجهوده من أجل الحفاظ على سلامة العالم، والحد من انتشار فيروس كورونا المستجد”، وقوله: “هذا ما يعنيه مفهوم الصحة للجميع، شكرًا جزيلًا للملك سلمان لقيادتكم والتزامكم؛ لضمان حصول الجميع على الخدمات الصحية اللازمة؛ لمواجهة كورونا، أتمنى أن تحذو الدول الأخرى حذوكم”.
ولا شك أن هذه الجهود التي قدّمتها حكومة خادم الحرمين الشريفين عكست مستوى الرقي الحضاري والتقدم الطبي الذي تتمتع به بلادنا على مستوى الحكومة والأفراد، إلى جانب ارتفاع مستوى الوعي الصحي لدى الأفراد. لكن الملاحظة التي ينبغي التوقف عندها ونحن نتحدث عن التجربة السعودية في مواجهة تلك الجائحة التي أرعبت العالم كله تتمثل في تجاوب كافة المواطنين والمقيمين في المملكة مع التعليمات والاحترازات الصحية التي كانت تصدر عن وزارة الصحة تباعًا خلال العامين المنصرمين، والتصرف والعمل بموجب تلك التعليمات، مما كان له أثره الكبير في التقليل من حالات الإصابة والوفاة في بلادنا إلى الحد الأدنى قياسًا بدول العالم التي وصلت فيها تلك الأعداد إلى أرقام فلكية، مع الأخذ في الاعتبار ما يشكله الحج من أهمية بالغة وأولوية في الأجندة السعودية، ولنا أن نتصور حجم الأضرار التي كان من الممكن أن تنجم – لا سمح الله – من جعل عدد الحجاج خلال الموسمين السابقين في نفس المعدلات السابقة حرصًا على الجانب الاقتصادي، إذن لكانت الكارثة أعظم مما نتخيل، لكنها السياسة الرشيدة والرؤية الحكيمة لقيادتنا المُلهمة التي وضعت مقياس صحة وسلامة المواطن والمقيم والزائر فوق كل الاعتبارات.
وينبغي أن نؤكد ونحن نتحدث عن أهمية قرار وزارة الحج والعمرة، أن هذا النهج في التدرج في زيادة عدد حجاج بيت الله الحرام بعد التعافي – ولله الحمد – من الجائحة من شأنه أن يعزز رؤية 2030 التي يعتبر وصول عدد الحجاج إلى 30 مليون حاج بحلول عام 2030 أحد أهدافها الاستراتيجية، وهو التحدي الأكبر أمام كافة المسؤولين في هذا القطاع الهام، والذي يتطلب مضاعفة الجهود الخاصة بتطوير منظومة الحج والعمرة، لاستيعاب تلك الأعداد الكبيرة؛ وما يتطلبه ذلك من تطوير للخدمات الإلكترونية المتعلقة برحلات الحجاج والمعتمرين، والعمل على زيادة الطاقة الاستيعابية لمنظومة الخدمات المقدمة لهم من نقل وإقامة وإعاشة، وتوفير الخدمات وسبل الراحة لهم منذ أن تطئ أقدامهم أرض الحرمين الشريفين حتى العودة إلى ديارهم سالمين.
الله يبارك الجهود من الجميع ويجعلها في ميزان حسناتكم.