المقالات

تمهين التَّعليم وفق النظرية البوليتكنيكية

شتَّان بين تأثير المعرفة النَّظريَّة وتأثير المعرفة العمليَّة التَّطبيقية للخلفيَّة المعرفيَّة للإنسان، فالمعرفة النَّظريَّة هي المعارف والمعلومات التي تكمُن على الورق، وفي العقول، أمَّا المعرفة العمليَّة التَّطبيقية فهي مُمارسات على أرض الواقع لإكساب المُتعلِّم المهارات، فإذا لم يقترنا ببعضهما فقد تحدث الفجوة عندما يبدأ المُتعلِّم التَّطبيق والتَّنفيذ الفعلي في ميدان العمل. فالتَّعليم بحاجة إلى خطوة تنفيذيَّة للمُواءَمة بين النَّظريَّة والتَّطبيق. فلا بُدَّ أن تكون مُخرجات التَّعليم مُؤهَّلةً مَعرفيًّا ومَهاريًّا لمُواجهة مُتطلَّبات سوق العمل باحترافيَّة وأخلاقيَّات مهنيَّة التي تُسهم في عرض أفضل الفُرص الوظيفيَّة. وهذا ما تُركِّز عليه النَّظريَّة البُولِيتكنيكيَّة.
“النَّظريَّة البُولِيتكنيكيَّة”، أو النَّظريَّة التَّطبيقيَّة، من نظريَّات المنهج التي تبنَّت أهمِّية تطبيق المعارف والمهارات المُكتسبة من خلال التَّعليم، وجعلت خدمة حاجات المُجتمع مصدرًا للمعرفة فمن خصائصها أنها تتفاعل ديناميكيَّا مع مُتطلَّبات واحتياجات العصر وظروفه وسياقاته، ممَّا ينتج عنه تحوُّل وتطوُّر في المناهج.
وتهدف النَّظريَّة البُولِيتكنيكيَّة إلى الربط بين المدرسة والعمل المُنتج المُفيد للمُجتمع من خلال الرَّبط بين المعرفة النَّظريَّة والمعرفة العمليَّة التَّطبيقيَّة. فتقوم فكرة هذه النَّظريَّة على أن جميع الموادِّ الدِّراسيَّة التي تُغطِّي مجالات العلوم الإنسانيَّة والعلوم الطَّبيعيَّة والدِّراسات العمليَّة معًا، من أجل إعطاء المُتعلِّمين معلومات، وإكسابهم مهارات من خلال التَّجارب التي تتعلَّق بعمليَّات الإنتاج المُختلفة التي بدورها تُعَدُّ مصدرًا للمعرفة، وبالتَّالي تُوجَّه في بناء المنهج ومُعطياته التَّطبيقيَّة.
وتفصيلًا، يُمكن القول: إن الأنشطة (الجماعيَّة)، والوسائل التَّعليميَّة التي تتضمَّن الزِّيارات، والمزارع، والمصانع، وكذلك العمل في المحلات والورش والمعامل، هي الأدوات التي تربط العمل بالعقل (اكتساب المعرفة)، وتربط العمل باليد (اكتساب المهارة من خلال المُمارسة) أي التَّعلُّم بالعمل. ولنا في الصِّين مثال رائد للعمل المُنتج والصِّناعات اليدويَّة وريادة الأعمال، فقد اعتمدت في التَّعليم على الإنتاج وربط النَّظريَّة بالتَّطبيق، هذا بالإضافة إلى عدم اقتصار التَّعليم على المدرسة فقط، بل يتعدَّاها إلى المصانع، والمزارع ووحدات الجيش في المناطق المُجاورة، وإلى جانب ذلك تمَّ تأسيس مصانع صغيرة في المدارس الأساسيَّة والثَّانويَّة، ويُدعى العُمَّال والفلَّاحون والجُنود للتَّدريس فيها على أساس جُزء من برنامج النَّشاط المعرفي المدرسي.
يُمكن للتَّعليم السُّعودي الاستفادة من الجانب العملي لهذه النَّظريَّة بعد إخضاعها للدِّراسات والاستشارات العلميَّة لمُتطلَّبات نجاح تنفيذ تلك الأنشطة والوسائل والطُّرُق التَّعليميَّة التي تستند إلى تهيئة البنية التَّحتيَّة للبيئة المدرسيَّة التي بدورها تُسهم في تحقيق الأهداف التَّعليمية لرؤية 2030، والتي أتاحت للنِّظام التَّربوي والتَّعليمي مُواكبة التَّطوُّر والنُّهوض بمُستواها الفعلي؛ وذلك من خلال إعطاء المُمارسات والمهارات العمليَّة الجانب الأكبر من التَّعليم، وإعطاء الفُرصة للصِّناعات اليدويَّة والإبداع والابتكار والانخراط في المُجتمع، ولعلَّ من المُستحسن الانتقال إلى الميدان الفعلي التَّطبيقي لمُمارسة مهارات التَّعلُّم لتحقيق أهداف الأنشطة في المجالات التَّعليمية المُختلفة للبرنامج التَّعليمي المدرسي، ممَّا يتطلَّب اعتماد مناهج تقوم على حزمة من التَّجارب التي تُوجِّه المُتعلِّم وتُعِدُّه للحياة والمُستقبل، وتُطوِّر مهاراته.
وتأكيدًا على أهداف المدرسة التَّعليميَّة في تحقيق خدمة المُجتمع، والذي يتطلَّب بناء مهارات من خلال الأنشطة المدرسيَّة ليس فقط داخل المدرسة، وإنما خارجها، والتي تسمح للمُتعلِّم بالاحتكاك بالمُجتمع الحقيقي لكسب المعرفة ومُمارستها مُباشرةً، ممَّا يُتيح حفظ المعلومة وكسب المهارة المرغوبة، وبذلك يُعزِّز المُتعلِّم الجانب التَّطبيقي للتَّعليم المدرسي في مجالات المجتمع المُختلفة، سواء أكانت على مُستوى القطاع الحكومي أو القطاع الخاصِّ، كما يسهُل على المُتعلِّم التَّعرُّف على مُيوله وقُدراته، ومُمارستها، وبالتَّالي تُصبح البيئة المدرسيَّة بيئةً جاذبةً ومُنفتحةً على المُجتمع، وليس فقط تقييد المعرفة والمهارة في الفُصول وغُرف داخل المدرسة، فالمُتعلِّم هو محور العمليَّة التَّعليميَّة، فلا بُدَّ من إعطائه الفُرصة لاكتشافها بنفسه، فيكون التَّأثير أبلغَ، فمتى ما اقترنت المعرفة بالمُمارسة المُستمرَّة تحقَّقت المهارة المطلوبة.. هنا يُمكننا القول: إنَّنا أمام قُوى عاملةٍ فاعلةٍ تستطيع مُواجهة مهارات سوق العمل بكل احترافيَّة، مبنيَّة على قواعد قويَّة، مُسلَّحة بالمعرفة، وهذا غالبًا ما ينقص واقع سوق العمل.
———————

باحثة دكتوراة في الإدارة التَّربويَّة والتَّخطيط – جامعة أُمِّ القُرى

2 Comments

  1. جميل ورائع تسلم الأنامل
    فعلا المعارف والمعلومات ليس لها أهميه الا بالممارسه وتطبيقها 🤍

  2. سلمت يمناك ماشاء الله أفكار تربوية رائعة ولها مردود ايجابي ليس فقط على المتعلم بل على العملية التعليمية برمتها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button