في كتابه (حياة في الإدارة) يقول الدكتور غازي القصيبي -يرحمه الله-: (الذين يعرفون فرحة الوصول إلى أعلى السلم هم الذين بدأوا من أسفله. والذين يبدؤون بأعلى السلم لن يكون أمامهم إلا النزول). نعم هناك الكثير من الناس في بيئة العمل قد بدأوا رحلتهم الوظيفية من أعلى السلم لظروف خاصة وأسباب مختلفة باختلاف قدراتهم وعلاقاتهم. هؤلاء المديرون الذين بدأوا من أعلى السلم غالبًا ما يتقمصون شخصية الطاووس؛ فالطاووس يتصف بالكبرياء، والغرور حتى في مشيته التي تعكس غروره؛ لكنه مع ذلك يظل من أجمل الطيور إن لم يكن الأجمل بينها على الإطلاق، فقد خلقه الله سبحانه وتعالى على هذه الهيئة؛ لكن المشكلة أنه مع كل ذلك الجمال إلا أنه لا يستطيع المشي سوى لمسافات قصيرة جدًّا؛ الأمر الذي ربما يعتبر أنه الشبه الوحيد بينه وبين المدير الطاووس. لكن ما يميز الطاووس الطائر على الرغم من غروره وكبريائه هو شدة إعجاب الناس وانبهارهم بجماله. أما المدير الطاووس فالكل يكرهه ويبتعد عنه ويتمنى رحيله، باستثناء محترفي التملق الذين يقتربون منه كثيرًا ويتقربون إليه ويلتصقون به حتى وإن كانوا يكرهونه في دواخلهم، لكنهم مع كل ذلك يتحملون نقده اللاذع وإهاناته القاسية التي يوجهها إليهم في كل مناسبة، فالأهم لديهم هو المحافظة على مكتسباتهم والبحث عن المزيد من الغنائم. المدير الطاووس لا يعرف من الإدارة سوى القشور بينما تجده في واقع العمل يجهل أسهل مبادئها وأسسها وأخلاقياتها، وعلى الرغم من أن ذلك المدير يحاول أن يلبس ثوب الطاووس لكن نظراته الخائفة ويديه المرتعشة وعثراته المتكررة تفضحه وتشعر الآخرين بدنو رحيله وماذا سيكون مصيره.
لقد أصبح تائهًا بين الفشل وأعلى السلم الذي وصل إليه بالصدفة الخطأ. ولكن يبقى السؤال؛ ترى هل يصمد في أعلى السلم حتى يخربها ويجلس على تلها كما يُقال؟ أم أنه يعرف قدر نفسه ويعترف بقدراته المتواضعة فيغادر بهدوء؟ إحراجات كثيرة ومواقف صعبة هو من يوقع نفسه فيها بصورة متكررة، وأخرى يوقعه فيها المتملقون ممن حوله الذين يحاولون تقمص شخصيته وتقليده وممارسة لشيء من غروره تجاه منسوبي المؤسسة؛ فيحاولون الظهور بمظهر مديرهم الطاووس لكنهم في الحقيقة هم أقرب لطباع البوم في خبثهم. وللأسف أن الكثير من تلك المواقف المحرجة والمخجلة التي يقع فيها أولئك المتملقون وحتى تلك التي يقع فيها مديرهم الطاووس بسبب تصرفاتهم غير المسؤولة هي أقرب إلى أن تكون تصرفات غبية، وأخرى صبيانية إن لم تكن بعضها تصرفات مراهقة متأخرة!! ونستطيع تلخيص أهم ما يميز إدارة المدير الطاووس وشلة البوم من حوله ممن تحاول أن تقتفي أثره ما يلي:
– متقلب المزاج ولا يمكن التنبؤ بما يقول ويفعل، فهو غالبًا يقول ولا يفعل ويعد ولا يفي بوعوده، وإن فعل فيكون بعكس ما يقول، ولذا يعيش موظفوه في حالة مستمرة من القلق والتوتر.
– لا يحترم الآخرين ولا يقدر خبراتهم، ويقتحم المساحة الشخصية في أوقاتهم وأماكنهم وحتى ممتلكاتهم، ويرى أن من حقه أن يتصل بهم ويتواصل معهم كيف يشاء، وفي أي وقت شاء، وليس لهم إلا السمع والطاعة.
– يستخدم استراتيجية فرَّق تسد بين منسوبي مؤسسته من خلال قراراته الطائشة واختلاق المشكلات وتداخل المهام وتضارب المصالح وزرع المنافسة غير الشريفة بينهم.
– يتكلم عن الرؤية وهو عديم الرؤية وأعمى البصيرة، يسمع بسياسة كفاءة الإنفاق ولا يعرف معناها؛ فيعتقد أنها تتلخص في نتف ريش الموظفين وانتزاع بعض حقوقهم وامتيازاتهم المادية أو تخفيض جودة المنتج الرئيس للمؤسسة وربما توقيفه؛ ليستثمر عوائد ذلك كله في البهرجة والهياط وسائر مغامراته وفي كل ما ليس من حقوقه.
– يُجير أية نجاح لنفسه مهما يكن ذلك النجاح صغيرًا، ويتجاهل الآخرين ويلقي عليهم اللوم بل ويحملهم أسباب أخطاءه وفشله.
– يجتهد في تطفيش وتسريح الكفاءات أو تهميشهم وإبعادهم، ويقرب منه صغار الموظفين ومحدودي الخبرة؛ ليصبحوا هم الأطفال الذهبيين في المؤسسة.
– حتى وإن دعَّم امرأة أو ثلاث إلا أنه يهمش العشرات من ذوات الخبرة والمؤهلات. لا يحترم خصوصية المرأة التي أثبتت جدارتها بقوة بفضل الله أولًا ثم بدعم القيادة الرشيدة؛ ولا يقدر وجودها في بيئة عمل موحدة ويعتقد هو ومن حوله بأن من أبسط حقوقهم التميلح بشتى أصنافه!!
– وأخيرًا ألا تعتقدون أن الكثير من الموظفين والموظفات في مؤسساتنا هم من يدعمون نوعية المدير الطاووس وشلة البوم في البقاء على قمة الهرم التنظيمي؛ بخنوعهم وسكوتهم عن كثير من التجاوزات التي تصدر بحق أولئك الموظفين.
الختام:
تقبَّل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال، وحفظ الله بلاد الحرمين ملكًا وولي عهدًا وحكومةً وشعبًا وزوارًا ومعتمرين ومقيمين وسائر بلاد المسلمين، وعلى الخير نلتقي بعد عيد الفطر المبارك بمشيئة الله تعالى.