حظيت مكة المكرمة بشرف عظيم لم تحظَ به أي مدينة أخرى على وجه الأرض، فهي أم القرى ومهبط الوحي، وبلد البيت العتيق، الذي به البناء المعماري المتفرد.
وتوالت العصور على مكة المكرمة وتسارعت فيما بينها، مخلفة وراءها إرثًا معماريًا، مثله مثل الإرث الاجتماعي والثقافي، وكل ذلك من خلال نبع واحد وهو الأساس الديني.
فمع فجر الإسلام وحتى يومنا هذا؛ تكوَّن في البلد الحرام (مكة المكرمة) تراثٌ ثقافي فريدٌ، تنوعت مكوناته وتعددت أساليبه، وانصهرت جميعها في بوتقة واحدة، مخرجة للعالم التراث الثقافي المكي، فمن المسجد الحرام وما يحتويه من تراث معماري فريد إلي المشاعر المقدسة وما تمثله من أعلام وشواخص، بها مواعظ وعبر، إلى مساجد بُنيت في صدر الإسلام، وتراث ثقافي تمثَّلت مكوناته في العديد من ثقافة المجتمع وما غلب عليه من ممارسة أفراده لعدد من الحرف اليدوية، والتي يأتي في مقدمتها حرفة صناعة الروشان، والتي شكّلت بدورها ثقافة معنوية أبرزت مع مرور الزمن هوية الإنسان والمكان، جميعها تتعايش في نسيج ثقافي واحد.
وهذا النسيج الثقافي بكل مكوناته يتكامل مع بعضه لتقديم التنوع المعرفي والثقافي؛ إضافة إلى أنه رافد مهم للرصد الثقافي والتاريخي لمكة المكرمة؛ ليكون في نهاية الأمر بوابة ثقافية كبيرة تعكس قيم الحاضر وجمال أدبيات الماضي، وتخلد أبرز مكونات الحياة المعيشية للمجتمع.
ومع تطور العصر وزيادة أعداد حجاج وزائري بيت الله الحرام، وما ترتب عليه من أعمال التوسعة، والتي تم على إثرها إزالة مناطق سكنية كاملة، لها تاريخ تليد، دون المحافظة على شيء من معالمها، فإن الحفاظ على تلك المفردات المعمارية المكية يحفظ قيمتها الدينية والثقافية والاجتماعية.
ومما لا شك فيه أن مفردات التراث المعمارى؛ وخاصةً الروشان المكي ذا ثراء واضح بما فيها من قيم فنية وجمالية، من حيث مقوماتها وأبعادها وأساليبها المختلفة، التي تعكس حسًا متميزًا بالعصر الذي تنبع منه، مما يجعلها تنبع بالأصالة.
وهذا الثراء الذي نجده في حرفة الروشان تحديدًا هو دافع لاستمرار ديمومة هذه الحرفة كمكون ثقافي للهوية الجمالية لمكة المكرمة.
وتوظيف حرفة الرواشين المكية كمكون ثقافي، يُساهم بشكل فاعل في تعزيز الثقافة المعنوية للحرف اليدوية وتنمية احترام العمل اليدوي كقيمة إنسانية، وباعتبار هذه الحرفة جزءًا لا يتجزأ من الثقافة المعنوية لمدينة مكة، ولدورها الفعال في إكساب أو نقل السلوك الجمالي وتربية النشء تربية جمالية سليمة، من خلال العمل على نشر ثقافة هذه الحرفة كأحد أهم مكونات الهوية الثقافية لمكة.
وهذا يتوافق مع تأكيد رؤية المملكة العربية السعودية 2030 بالعناية بالحرف اليدوية وعدم اندثارها.