كتاب الرأي

المباني المدرسية وانعكاساتها النفسية والتربوية

▪️ لا شك أن الإنسان يتطور تبعا للثورة الصناعية والتقنية والمكون الثقافي الذي يشكل البناء الفكري الذي يوجه حياة الفرد ويؤثر في سلوكه وتصرفاته ونوعية تلقيه وآدائه، وأيضا أسلوب عيشه وأبجديات تعامله وتفاعله، لذا فإن مواكبة هذا التطور أمر مهم كي نساير ذلك النمو المعرفي أو النضج المجتمعي الذي يحرك إدراكات متقدمة قد لا تكون ملاحظة أو قد نتجاهلها أو نجهلها حينما لا تتماشى مع تفكيرنا أو تعارض ما نريد!!!
▪️ ولأن التعليم يعد القاعدة التي تنمي القدرات العقلية وبالتالي صياغة الفكر أو توجيه الفرد نحو مسارٍ معين، ولربما يتمرد الناشئة على ما يُملى، إن لم يتماشى مع الزمن الذي هو الطيف المترائي أو المترامي في أفقهم الذي يجب أن يتسع كي لا يحجم تلك الرؤية البعيدة التي ترقب الشمس إشراقا كما تلاحقها غروبا؛ لعلها تمسك بها لتبقى مشعة بنورها في مساحات أمدهم الشاسع!!!
▪️ نعم، تُعد المباني المدرسية مكانًا معدًا لتلقي العلم وتلاقح الفكر وتشكيل العادات العلمية أو الحياتية وبالتالي فإن تصميم هذه المباني بشكلها الصندوقي المحكم الإغلاق تعد – في زمننا- سجنا للعقول وحبسا للفكر وتحجيما لإطلاق العنان للتأمل، وبالتالي فهي فعل ماضٍ لا تتماشى مع الحاضر كما لا تلبي الحداثة ولا تستوعب المستقبل بحال من الأحوال!!
▪️فإذا كنا نؤمن بأن للبيئة، للمكان، للمساحات، للألوان دور في التأثير على السلوك، التصرفات، المزاج، صفاء الفكر أو تعكيره، فيجب علينا إزاء ذلك أن نؤمن بأن معظم حالات العنف، الضعف، التسيب، التسرب، تحدث بسبب الشعور بالكبت، حبس الأنفاس، الإنغلاق بين أربعة جدران خرسانية لا تدع منفذا للضوء كما لا تسمح بتجدد الهواء،مما يجعلها خنقا للمشاعر وقتلا للحواس، هذا غير التكلفة الباهضة لإنشائها ومن ثم متطلبات الصيانة الدورية مع محدودية استيعابها لأعداد قليلة، وغير ملبية للنمو المستقبلي، مما جعل الحاجة تتزايد لبناء أعداد هائلة من المباني تفوق الثلاثين ألف مدرسة، غير وجودها بين الأحياء مما يتسبب في إكتظاظ في الحركة المرورية وتعريض المتعلمين للمخاطر!

وبعد هذا العرض لسلبيات تلك الصناديق الخرسانية المصمته فإنه يجب أن نؤمن بضرورة التغيير ، ولكن يا ترى ماهو البديل، وما حسناته؟!

▪️ أرى الاستعاضة عن تلك الأعداد الألوفية من المباني الخرسانية بمجمعات تعليمية في أطراف كل مدينة أو محافظة تقام على مساحة لا تقل عن (مليون/م مربع) بأن تنشأ من قبل شركات عالمية من الفولاذ والزجاج المقاوم على أن تخلو تماما من الصبات الخرسانية لما لذلك من مزايا تتمثل في:
خفض تكاليف الإنشاء وإطالة عمر البناء، وعدم الحاجة للصيانة، وإتاحة فرصة للرؤية كمتنفس وكذلك التهوية وكسر شعور الحدود الجدارية على أن تتضمن ما يلي:
– أن ينشأ داخل كل مجمّع عدة مباني تشمل المراحل المتعددة (ابتدائي، متوسط، ثانوي- عام، تحفيظ) وكذلك مسارات الثانوية- إضافة لثانويات مهنية، و كذلك ينشأ ملعب كبير للمباريات الدورية وأخرى متعددة صغيرة للحصص الدراسية والتدريب اليومي.
– أن تكون مساحات الفصول كبيرة لا تقل عن 6*12 م فما فوق لتستوعب أعداداً أكبر.
– أن يكون الجدران الأمامي والجانبي الداخلي شاشة عرض بينما المواجة للخارج شفافة لتمنح رؤية نافذة للخارج!
– أن تكون الفصول والممرات وكامل المبنى والمرافق الداخلية والخارجية مغطاة بكمرات للمراقبة الداخلية والخارجية عن طريق إدارة التعليم أو الوزارة لإمكانية المتابعة والرصد.
– أن تكون المقاعد الدراسية وثيرة في حين تكون الطاولات مزودة بشاشة مرتبطة بالشبكة العنكبوتية المركزية داخليا ومع جهاز الوزارة، وذلك لتسهيل الاستخدام وتوظيف التقنية في الدروس والحصص وكذلك لبث برامج مركزية موحدة تعليمية أو تثقيفية أو توعوية أو في المناسبات الوطنية أو العالمية، وكذلك لإجراء اختبارات مفاجئة تشخيصية أو نهائية مركزية، وليكتفى إزاء ذلك عن طبع الكتب الورقية بالكتب الإلكترونية، وهذا يقضي على الهدر في هذا الجانب.
– أن يعتنى بالغطاء النباتي والمسطحات الخضراء، وأشجار الظل والمثمرة والزينة لتوفر بيئة جاذبة، لتكون بمثابة حدائق ألعاب واستجمام وراحة.
– أن تنشأ صالات رياضية لمختلف الألعاب والقوى وكمال الأجسام كحصة مقررة ضمن المناهج.
– أن تنشأ قاعات للفنون والأعمال اليدوية من رسم وأشغال وأعمال مهنية مختلفة.
– أن تنشأ قاعات للاحتفالات العامة والنشاطات المدرسية اليومية أو الأسبوعية لتكون بمثابة قاعات تدريب على الإلقاء والخطابة وتطوير الذات وتعليم المهارات الحياتية والمناسبات الوطنية وغيرها.
– أن تنشأ مكتبة عامة تستقبل الرواد كحصص مقررة أو للإطلاع الحر وتنمية حب القراءة.
– أن تنقل مكاتب التعليم داخل هذه المجمعات للإشراف المباشر على العملية التعليمية والإشرافية.
– أن تنشأ قاعات تدريب للهيئات الإدارية والتعليمية والإشرافية لتنفيذ البرامج الداخلية أو المباشرة من قبل الجهاز الوزاري على مستوى المملكة لما يستجد من أنظمة وتحديثات.
– أن يوفر نقل عام للطلبة وذلك بالاستعانة بالنقل الترددي أو التعاقد مع شركات لتأمين نقل الطلاب.

▪️ وبعد ماذا يترتب على هذه المجمعات من مزايا وقرارات؟!
– ستسهم تلك المجمعات في تغيير النظام التعليمي وذلك بتطبيق اليوم الكامل إذ تكون الفترة الصباحية للمواد العلمية والنظرية بينما الفترة المسائية للمواد التطبيقية والعملية والمهارات الرياضية أو الفنية أو الثقافية، وستحل معضلة دوام شهر رمضان بأن تتيح الدوام المسائي.
– ستتقلص أعداد المدارس لبضع مئات على مستوى المملكة بدلا من عشرات الألوف، بمتوسط 10 مدارس بنين لكل منطقة تعليمية حالية أو محافظة.
– ستستوعب هذه المجمعات عشرات الألوف من الطلاب في بيئة آمنة ومباني جاذبة مع تنوع المناشط وتلبيتها للميول والرغبات والمواهب.
– ستتقلص أعداد الهيئات الإدارية والتعليمية ربما إلى النصف.
– ستكون بيئات جاذبة ومحببة تتقلص معها حالات العنف والمشاكسات حالما يجد الطالب مكاناً مهيأً يجد فيه الراحة النفسية والتنفيس الانفعالي، توجه فيه طاقاته نحو ميوله وإتجاهاته.
– ستحد أيضامن حالات الغياب إذ من المفترض أن يكون التحضير ببصمة العين أو اليد من خلال جهاز الطالب المثبت على طاولته والمرتبط بالوزارة.
– ستحد أيضا من حالات الغياب وعدم الانضباطية للعاملين، إذ ستكون الرقابة مباشرة عن طريق كمرات الفصول مما يضمن التميز في الآداء .
– سيكون الدور الأكبر على مكاتب التعليم داخل تلك المجمعات وسيتقلص دور إدارة التعليم على الإشراف العام وبقيادات محدودة وإدارات محصورة.
– سيتيح للوزارة الإشراف المباشر عن بعد سيما مع تقليص أعداد المدارس،وبالتالي ستتحسن جودة التعليم وتكثف الرقابة وتزيد الإنتاجية، وسيقضى على كثير من السلبيات.
– سيزيد التنافس بين مختلف الطلبة والصفوف وستتعمق الرغبة وتزيد الدافعية وبالتالي سيتحسن الناتج التعليمي وترتفع الحصيلة العلمية مما يسهم في تنمية القدرات العليا كالابتكار والعمليات الإبداعية والخلاقة.
– سيسهم وجود الملاعب في صقل المواهب الرياضية وتنمية المهارات وإيجاد المنافسات الرياضية داخل وخارج المجمعات، وهذا سيكون موردا لتغذية الفرق الرياضية الوطنية باللاعبين الناشئين والمحترفين.
▪️ختاما:
جُبل الإنسان على التغيير والتطور ليجد نفسه في حالٍ أفضل وليتغير تبعا لذلك مؤداه والنتائج المرجوة من وراء ذلك!!!

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button