النقصة الرمضانية : هي تبادل أطباق وأكلات بين الأهل والجيران، وغالباً ما تكون أطباقاً مصنوعة بالمنزل.
من خلال الواقع المعاش في البيئة الحضرية والمدنية التي أنتمي إليها، ولا سيما أني أعتبر نفسي من المخضرمين كوني عاصرت أجيالاً عدة بدايةً من جيل الأجداد وجيل الآباء وجيلي، حيث كانت عادة النقصة الرمضانية بارزة ومنتشرة بين الجيران في تلك الحقبة الزمنية الجميلة، وكذلك عاصرت الأجيال اللاحقة؛ فالملاحظ فعلاً أن عادة النقصة سواءً في رمضان أو في غيره قد تدنت تدريجياً حتى أصبحت من العادات نادرة الوجود.
وعند مناقشة الأسباب الحقيقية وراء انخفاض إن لم يكن شبه اختفاء تلك العادة الجميلة التي تسهم في إدخال المحبة والسرور على قلوب الجيران، فهي كالهدية يتبادلها الجيران فيما بينهم لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم “تهادوا تحابوا” ؛ فإننا نجد في الواقع الحالي أن البعض يرى أن هناك فرق واضح بين الجيرة قديماً التي كانت فيها العلاقات إيجابية بين الجيران، وبين الجيرة حديثاً التي أصبحت فيها العلاقات سلبية بين بعض الجيران، فمن المقولات المتداولة التي تتردد على مسمعي منذ سنوات طويلة مضت ولا تزال هذه الظاهرة قائمة حتى الآن وهي أن البعض من الجيران لا يطرح السلام على جاره، ولا يزوره، ولا يعرف حتى اسمه، رغم أن الله قال: “وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا” وقد تجلت هذه الظاهرة السلبية في المدن الحديثة وفي الجيل الجديد تحديداً الذي لم يسكن في القرى والأحياء الشعبية القديمة التي من خصائص تلك الأماكن في تلك الآونة التي كان يعيش فيها جيل الطيبين والتي كان فيها الجيران كالأسرة الواحدة، وأيضاً في اعتقادي أن من الأسباب هو الانتقال من الأحياء القديمة لعدة أسباب ومنها أسباب الهدم والإزالة لتلك الأحياء بهدف تطويرها من قبل الحكومة، مما اضطر السكان إلى إخلاء بيوتهم القديمة التي أمضوا فيها عمراً طويلاً مع الجيران وتفرقوا وانتقلوا إلى الأحياء الجديدة وإما بسبب الانتقال من الحارة القديمة أو منزل العيلة الكبيرة أو كما يسميها علماء الاجتماع بالأسرة الممتدة بهدف الزواج والاستقلال عن الأسرة الكبيرة أو بسبب ضيق المنزل أو بسبب الانتقال للوظيفة التي تكون غالباً في مدن أخرى، أو لشراء أرض وبناء منزل المستقبل، أو استئجار شقة في عمارة.
ومن العوامل الحديث التي طرأت على المجتمع، وساهمت في التباعد بين الجيران، هو عامل إدمان وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت أفراد المجتمع ينغلقون على أنفسهم أوقاتاً طويلة، مكتفين بالتواصل فيما بينهم من خلف شاشة الهاتف الجوال، فطالما أن التواصل أصبح بين الجيران بهذا الشكل الإفتراضي، فمن باب أولى أن تزول بعض العادات الحيوية والتفاعلية التي كانت سائدة في ذلك الزمن الجميل والتي منها عادة النقصة، وكذلك قد يعزى هذا الأمر إلى أن تطبيق الجيل القديم لتلك العادة وتمسكهم وحماسهم بها كان قوياً ثم مع تعاقب الأجيال الجديدة والمتغيرات الاجتماعية المستجدة على المجتمع ضعف اهتمامهم وتمسكهم وحماسهم بها وتطبيقهم لها، وذلك قد يرجع لاختلاف الأجيال بين الآباء والأبناء، فما تعتبره الأجيال السابقة عادة وقيمة، قد لا يعتبره البعض من الجيل الجديد عادة وقيمة، رغم أن نبينا صلى الله عليه وسلم أوصى بالجار، في كل زمان ومكان، فقال: “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به” وكل الأسباب السابقة في تصوري قد ساهمت في التقصير من ممارسة عادة النقصة الرمضانية، لذلك أنصح بإحياء تلك العادة حتى لا تتحول العلاقة شيئاً فشيئاً بين الجيران إلى علاقة جفاء وقطيعة.