يكاد يكون عيد الفطر المبارك لهذا العام أكثر أماناً واطمئنانا من عيد السنتين الماضيتين بسبب الظرف الصحي الاستثنائي العالمي فايروس كورونا (كوفيد 19) والذي قد يكون انتهت أحداثه كاملة في هذا الوقت ولله الحمد . ليبدأ الناس في استعادة تفاصيل حياتهم الطبيعية وفي شتى الأمور في حلهم وترحالهم، ولتعود مباهج الحياة مشرقة على الوجوه البشرية. فهذا المسجد الحرام والمسجد النبوي يفتح أبوابه كلها للمصلين، وهذه المساجد ولله الحمد والمنة تعود إلى سابق عهدها من التواجد والتقارب عبر الصفوف المتراصة، وهذه الدوائر الحكومية مشرعة أبوابها في استقبال المراجعين، والمدارس والجامعات والمعاهد أخذ طلابها في الحضور على مقاعد متجاورة، والملاعب الرياضية احتفت بجماهيرها بكامل طاقاتها، والأماكن العامة مزدحمة بروادها، ولم يتبقى إلا اليسير جدا بفضل الله تعالى.
وأنت ياعيدنا المبارك حللت بفرحك وسرورك المعتاد حللت بوقتك الطيب بعد شهر الخير والبركة شهر رمضان. أتيتنا ونحن مازالت الدهشة ترتسم على مُحيانا المرهق فلا زالت الأسئلة المفجعة تحيط بنا من كل جانب وتتملكنا الاستفهامات المبهمة مع كل طيف نعلن أحياناً ونهمس أحياناً أخرى مالذي حدث؟ وما الذي حل؟ وماذا تبقى بعد؟ فقدنا القريب والصديق فقدنا الجار والزميل في غضون أشهر معدودة أصبحوا في عداد الراحلين، أصبحوا من الزمن الماضي، وأصبحنا نتذكر أحاديثهم، ونعيد ذكرياتهم، ونذكر مواقفهم. فقدناهم ولم نستطع بكل أسف تقديم أية إغاثة عاجلة أو أية مساعدة ممكنة وكأن أعيننا لاتبصر، وأذهاننا لا تستوعب، وكأن أطرافنا لا تحملنا فنحن حينها حيارى مابين وضوح المعلوم وعتمة المجهول، ومابين السكون والهدوء ومابين الوجل والهلع والحقيقة والكذب وفي غياب اليقين التام في دواخل أنفسنا. والأدهى من ذلك بعد رحيل الروح لم نلق نظرة الوداع الأخيرة على أجسادهم الطاهرة ولكن عزاؤنا الوحيد أن دعاء الأخ لأخيه، والصديق لصديقه بظهر الغيب يصل حتى ولو في أقصى الكون أو تحت أعماق الثرى.
تغيب أجيال وتظهر أجيال حتى يرث الله الأرض ومن عليها والأحداث تتواصل والعبر تستمر ولعل هذا الظرف الصحي الاستثنائي نكون فيه ممن استفاد من وقائعه فهو في كل الأحوال عظة لنا جميعاً لما يجب أن تكون عليه العلاقات الصادقة بين الأهل والجيران والأصدقاء والزملاء من حسن عشرة وتقديم حسن الظن والذي يكاد أن يكون سنة مهجورة للأسف فالقادم من السنين أقل بكثير مما مضى. والدنيا لا تحتمل كل القطيعة والتنازع والأسى بين الناس، ولا تحتمل أيضاً سوء الظن والشك في كل حرف وكلمة من طرف لآخر.
إن من المأمول أن تحل علينا أجواء السعادة والفرح في عيدنا هذا ونحن في أتم صحة وأحسن حال بعد شكر المولى عز وجل على بلوغ شهر رمضان المبارك وإتمام نعمه علينا. وأن لاننسى من رحلوا عنا بالدعاء لهم بالمغفرة والرحمة. وكل عام وأنتم بخير.