تحت المجهر
في العيد كل عام تجد التباين في طريقة استقباله في المدن والقرى حيث تتنوع أساليب الناس في كيفية تقديم ما يجب تقديمه للأقارب والأصدقاء والمعارف عند زياراتهم لبعضهم البعض وبالتالي فإن هذا التباين يعطي مؤشرا نحو اتساع رقعة المملكة والتباين في العادات والتقاليد التي تقام في أيام العيد الثلاثة على الأقل فهناك قرى في بعض المناطق مازالوا يستقبلون العيد في ليلة إعلانه من قبل الإعلام الرسمي بالطريقة القديمة وأخص هنا بعض قرى الجنوب وتحديدا منطقة الباحة التي تتميز ببيئاتها بين تهامة وسراة وبادية وأصدار تتوسد جبال السراة الشاهقة ومجمل هذه العادات تقام إحياء لذكراها الجميلة قبل أن يصلهم صوت المذياع وقبل أن ينطلق البث التلفزيوني إذ كانوا يعتمدون على إطلاق أعيرة نارية من بنادقهم رؤوس الجبال ويشعلون ما يسمى بـ ” المشعال ” المصنوع من شجر العرفج وبعض النباتات التي تتميز بهشاشتها وسرعة اشتعالها حيث يتم تعضيدها على قطعة خشب من أشجار العرعر بطول يتراوح بين ثلاثة إلى أربع أمتار وقد يشكلون منه هرما بارتفاعات أكثر وما أن يعلموا بأن العيد غدا يقوموا بإشعال هذه المشاعيل في رؤوس الجبال وحول القرى كإعلام للجميع بأن العيد يوم الغد فتقوم الأسرة بعمل ما يمكن عمله لاستقبال المهنئين بالعيد الذي يشترك فيه جميع أهالي القرية بعد صلاة العيد مباشرة حيث يمرون بجميع بيوت القرية ويتذوقون ما لذ وطاب من الوجبات الشعبية التي تصنعها النساء طوال الليل فيما تقام حفلات العرضة الشعبية وقد يشاركن النساء في مجالس كبيرة ببيوت خاصة بالفلكلور النسائي الذي يسمى ” اللعب ” بعيدا عن الرجال الذين يظهرون فرحتهم في مكان مكشوف بمشاركة الشعراء الذين يجعلون قصائدهم في الاحتفال بالعيد ويحمدون الله على الصيام ويترحمون على من فقدتهم القرية بالموت خلال عام مضى وهكذا تتم الفرحة بالعيد في يومه الأغر .
واليوم بعد أن تطورت الحياة بقي من هذه العادات والتقاليد اليسير منها ولكن من خلال متابعتي للعيد في السنوات الأخيرة ما قبل كورونا بدأت بعض الأسر تعود للماضي في تقديم وجبات العيد التي تحتوي على الخبز البلدي المعروف في الباحة بحجمه ووزنه وطريقة عمله ” خبز الملّة ” مع المرق واللحم والسمن والعسل وعلى استحياء يقدمون الحلوى التي قد تكون على جنب في السفرة للأطفال مع بعض الفواكه الموسمية والقهوة والشاي فيما قل اجتماع الأسر لكثرة عناصر كل أسرة وفقا للانفجار السكاني الذي حول بعض البيوت إلى ما يشبه قرية صغيرة بكثرة عدد أفرادها ونتيجة لبعض الاستقلالية التي فرضتها الظروف المادية مؤخرا فأصبح كل حزب بما لديهم فرحون ولكن تظل فرحة العيد ليست كما كانت أيام زمان بعدما تحولت أيام السنة كلها أعياد بما تحقق من عيش رغيد والحمد لله ولكن يرى الكثير أن هذا سبب كثير من القطيعة بين الأقارب والبعض يكتفي برسالة واتس للمعايدة وقد لا يكلف نفسه ولو بمكالمة لا تأخذ من وقته ثواني والحقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي كان لها دور كبير في هذه القطيعة بين الأقارب بالذات إلى جانب الاستغناء عن بعضهم البعض .
العيد له أهمية في حياة كل مسلم ويعتبر محطة يجب الوقوف عندها لمراجعة النفس وإصلاح ما أفسدته مستجدات الحياة بالتواصل ومحاولة لم الشمل والاعتذار والتقارب بين المتخاصمين سواء كان بين الأفراد أو بين الأسر وأن يجتهد كل رب أسرة في ترميم علاقات أسرته بالأقارب من خلال التواصل بكل ما يعزز أواصر القربى بعيدا عن ذر الرماد في العيون من خلال رسائل القص واللزق أو عبارات مكررة توحي للمستقبل بأ من أرسلها مجرد أداء واجب بأي طريقة من باب التسكيت أو من باب الاستشهاد بها وخاصة إذا كانت الخلافات مصطنعة ليس لها أساس ديني بل مرتبطة بالدنيا ومتعلقة بسماع الوشاة والمنافقين الذي مردوا على النفاق إذ لابد من إظهار حسن النيّة بنسيان الماضي والتسامح والعفو عمّا سلف وكان وإلا فالعيد هنا يعتبر مجرد مظاهر لم ترتبط بختام الصوم وتطهير النفوس من الحقد والغل الذي ملأ الصدور بدون وجه حق وكفى بالموت واعظا إذ يفقد المجتمع في كل عيد أقارب وأصدقاء فقدهم شهر الصيام وافتقدهم المجتمع في يوم العيد .
انعطاف قلم :
شكرا لأهالي قريتي قرية الدارين بيضان بالباحة الذين أحيوا العيد في المقر الجديد للمناسبات بجوار جامع القرية حيث ألقى فيهم معرف القرية المشرف التربوي إبراهيم بن عبد الله الحنّاس كلمة ذكرهم بضرورة التسامح والصفح والتعاون وذكرهم بمن مات ولم يحضروا العيد بعد أن غيبهم الموت والشكر موصول لشباب القرية ورجالها الذين دائما ما يضربون أروع الأمثلة في التعاون والتعاطف والمشاركة في كل المناسبات سواءا داخل القرية أو في المدن فلهم من هذا المنبر أرفع العقال وأقول : كل عام وأنتم بخير وعيدكم مبارك حفظكم الله ورحم كل من فقدناه من شباب القرية هذا العام داعين الله لهم بالرحمة ولأهلهم بالصبر والاحتساب .