المقالات

مرّ وهذا الأثر

لا يوجد شخص، إلا وقد تعرض خلال مراحل حياته لمواقف وتجارب، بدءاً من مرحلة ما قبل المدرسة، وما تليها من مراحل عمرية مختلفة كمرحلة الطفولة، والشباب، وما بعدها، سواءً أكانت هذه المواقف، والتجارب، التي اكتسبنا منها الخبرات، سعيدة أو مؤلمة، أو سواءً كانت متعلقة بالأسرة أو بفرد محدد في الأسرة أو بالأقارب، والجيران، الأنداد منهم، أو حتى مع الأكبر سناً، وحتى مع البائع في البقالة المجاورة للبيت أو غيرها من الدكاكين القريبة أو البعيدة، ثم بعد ذلك ننتقل إلى مرحلة الالتحاق بالبيئة المدرسية لنخالط فيها زملاء الدراسة والمدرسين وإدارة المدرسة وجميع العاملين بها، وقد استقينا من تلك المخالطة التجارب الإيجابية أو السلبية، وهكذا في بقية المراحل الأخرى سواءً بالجامعة أو في بيئة العمل (رؤساء، مرؤوسين، زملاء، عملاء) وفي كل مجال نرتاده، نستفيد ونتعلم منه معارف جديدة تضاف إلى خبراتنا السابقة خبرات أخرى، وبذلك تتراكم لدينا الخبرات، ولاشك في أن تلك الخبرات المتراكمة والتي من خلالها تعرفنا على أنواعاً كثيرة من شخصيات البشر، قد صقلت شخصياتنا، وجعلتنا نتقن فن التعامل مع المواقف العديدة ومع الأشخاص المختلفين.

المطلوب الآن من كل فرد منا العودة بشريط ذكرياته إلى طفولته ليقارن بين اختلاطه بالآخرين في ذلك العمر الصغير، وبين الاختلاطات المتعاقبة وحتى آخر اختلاط له في عمره الحالي فلا شك سيجد الفروق كبيرة وتطوراً في نمو شخصيته، وفي أسلوب تعامله مع الآخرين، وكل ذلك بفضل مخالطة الناس، بعد فضل الله.

هل تذكرت السب والإهانة والظلم والإهمال، والقهر والتفرقة في المعاملة بينك وبين اخوانك والمقارنة بينك وبين الآخرين والضرب المبرح الواقع عليك من والديك أو اخوانك أو الأقارب؟ وفي المقابل هل تذكرت التربية الهادفة والحازمة والمعتدلة التي قد يتخللها بعض الضرب الخفيف (المعنوي)؟ وهل تذكرت توجيهات ونصائح الكبار لك برفق وحب وحنان؟ وهل تذكرت ابتسامة قريبك أو جارك وتعامله اللطيف معك رغم أنك كنت طفلاً وهو رجل قد شاب شعره وفارق العمر بينك وبينه كبير؟ وفي المقابل هل تذكرت القريب أو الجار المتنمر والعابس في وجهك دوماً والأقارب والجيران الذين يتصفون بسوء السمعة والمعاملة؟ وهل تذكرت تعامل الزملاء والمدرسين ومدير المدرسة وفراش المدرسة؟ وأي تعامل كنت تحب أن تعامل به من قبلهم؟ فهل كانت تعجبك القسوة والتوبيخ والإهانات والإستهزاءات والضرب؟ يعني باختصار سوء التعامل (حتى وإن كنت أنت المخطيء) أو هل كان يعجبك حسن التعامل؟ ويؤثر فيك ويعدل من سلوكك، وهل كنت تشعر بالمدرس الذي تهمه مصلحتك حتى وإن قسى عليك بعض الشيء؟ وهل كنت تشعر بالمدرس الكاره والمبغض لك والحاقد عليك والذي يقسو عليك لا لتعديل سلوك السلبي ولكن للانتقام منك؟ وحدثني عن الزملاء والأصحاب وأيهم ترتاح له هل كنت ترتاح للزميل المبتسم لك والذي يحترمك؟ أم ترتاح للزميل المستهزيء بك؟ وهل تذكرت حسن أو سوء تعامل الموظف لك عندما كنت تراجع المؤسسات الحكومية أو غير الحكومية، وقس على ذلك كل من قابلت في حياتك، فأيهم تعلمت منه ودعوت له؟! وأيهم تألمت منه ودعوت عليه؟!

لقد حثنا صاحب الخلق الحسن والرفيع، صلوات ربي وسلامه عليه، على الرفق واللين والتبسم وعلى السماحة في البيع والشراء، والتسامح، والصفح والعفو، وكظم الغيظ، والتراحم والملاطفة والتعاضد، وقد قال عليه أفضل الصلاة والسلام ((المسلم مَن سلِم المسلمون مِن لسانه ويده)).

أبسط وجهك للناس تكسب ودهم وألن لهم الكلام يحبونك.

وكن شخصاً إن أتوا بعده يقولون مرّ وهذا الأثر.

Related Articles

One Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button