بين الحُلم والحِلم علاقة وطيدة متناغمة، فهذه الأرض التي نعيش عليها يراها من يملك الحُلم أو من يملك الحِلم بشكل مختلف عن الآخرين. وقد عبّر السابقون من الأدباء والحكماء عن هذا الرأي
فالأرض قد تضيق وقد تتسع بحسب من يراها، وقد قال عزَّ منْ قائل في سورة التوبة:
(وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
إذن فقد علّمنا العليم الحكيم أن الأرض قد ضاقت على الثلاثة من الصحابة بما رحبت ووسعت، بعد أن ضاقت عليهم أنفسهم لأنهم تخلّفوا عن القتال، ليتوبوا، ثم تاب الله عليهم وعفا عنهم.
فالذي يملك الحُلم (بضم الحاء) ولديه الطموح والهدف. إن كان حلمك كبيرًا، فحتمًا سترى الأرض واسعةً رحبة، وستُفتّح لك أبوابها، وستُسخّر لك خيراتها، وستجد لهدفك ألف طريق. فعلى قدر عِظم هدفك، وسمو غاياتك، ونبل تطلعاتك، ستصغر أمامك العوائق والمشكلات.
فليس أجمل من حُلم يعيش لأجله المرء، ويحوّله إلى هدفٍ سامٍ، وغايةٍ نبيلة، يستصغر أمامه كل معضلة أو تحدٍ أو عائق، فلا يعود ينظر لسفاسف الأمور وصغائرها
التي لو أعطاها مساحةً أكبر، لصغرت معها نظرته للحياة، ولَضاقت عليه دروبها، وتهمّشت سبُلها.
ولكنه بحُلمه الكبير يترفع بفكره، ويسمو بعقله.
فإذا اتسع الفكر اتّسعت معه الحياة بكل ما تحمل من أرضٍ وسماءٍ وبشر.
وصاحب هذا الحلم لأجل حلمه وهدفه الجليل يسعى بكل ما أُوتي من قوة مادية ومعنوية لتحقيقه، فإذا الأرض مطواعة. وإن تعثّر فإنه سيكمل، ولابد أن يصل.
فمن كان حُلمه إرضاء خالقه، ومن كان حلمه إسعاد والِدَيه، ومن كان حلمه بناء وطنه وإعلاء شأنه، ومن كان حلمه نجاح أبنائه، ومن كان له حُلم يرى فيه سعادته وهناءه، فلابد أن تتسع له الأرض، ويرضى عليه رب الأرض والسماء.
وكذلك من اتصف بالحِلم (بكسر الحاء)، وكان حليمًا متغاضيًا، واسع الصدر، عظيم الصبر، فلابد أنه سيرى الأرض ومن عليها من بشر وحجر في أبهى صورة، وأجمل منظر؛ فالأمور تبدو كما نراها نحن، ونترجمها بحسب أفكارنا وتوجهاتنا.
فالحليم ذلك الذي يعذُر من يُخطئ، ويعفو عمن يُسيء.
هذه الأنفس ترى في الضيق مع الأحِبّة سِعَة، وفي السماحة كرمًا وجمالًا؛ فتتسامى بخُلق المرسلين والصالحين، وتجني ثمرة الحِلم بهاءً في الروح، وسعةً في النفس، ورضًا وبهجةً لا تزول. ولا يطول حزنها، ولو ضاقت عليه الأرض.
وإذا اجتمع الحُلم الجليل مع الحِلم الجميل ينتج لنا ذلك الإنسان الذي يعلوه الاقتدار والافتخار، وهمّه صنع النجاح، وهمته عالية علو السماء.
إذا اجتمع الحُلم مع الحِلم نرى ذلك الشخص الواثق بربّه، السعيد بنفسه، المفتخر بوطنه، المتسامح مع من حوله. فهنيئًا لهؤلاء.