بحمد الله نتقلب في نعيم النعم كل لحظة نتنفس فيها نفسًا جديدًا، وفي كل لحظة نأكل ونشرب بل وفي كل غمضة عين وانتباهتها، وفي كل يوم تشرق فيه الشمس وتغيب، ونحن أحياء نُرزق ونعم الله علينا كثيرة لا تُعد ولا تُحصى، كما قال -عز وجل-: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ).
ومع ذلك فإننا أصبحنا في غيبوبة مشاغل الحياة وكثرة ملذاتها لا نستشعر عِظم هذه النعم التي نتقلب فيها وتُحيط بنا من جميع الزوايا والجهات والأماكن والأوقات، لا نستشعر نعمة التنفس، وهناك من يتنفس بواسطة جهاز صناعي، لا نستشعر نعمة البصر وهناك من هو أعمى، لا نستشعر نعم الوعي والإدراك، وهناك من هو فاقد للوعي منذ سنوات، وهناك من هو فاقد للذاكرة، وهناك من هو مكتمل الجمال في صورته وهيئته وخلقته، ولكنه فاقد للتوازن الفكري والعقلي لا يفهم ولا يعقل، وهناك من هو مستلقٍ على سريره لا يتحرك منه إلا عينيه، وهناك وهناك من أصحاب الابتلاء والمصائب في أنفسهم وأموالهم وأولادهم ما الله به عليم.
أصبحنا بسبب تبلد الإحساس بالنعم لا نستشعر ما نعيش فيه من نعمة الأمن والاستقرار الذي أنعم الله به على هذه البلاد الطيبة بفضل مِنهُ ومِنَّهْ ثم بفضل تمسك قادتها بالعقيدة الإسلامية من يوم التأسيس حتى يومنا هذا إلى ما شاء الله؛ فنحن ولله الحمد نخرج من بيوتنا مواطنين ومقيمين وزوار ومعتمرين وسواح.
نخرج ونسافر ونتنقل ونُمسى ونُصبح بحمدالله، ونحن آمنين مطمئنين على أنفسنا وبيوتنا وأهلينا وأموالنا في ظل ما سخرته ووفرته لنا حكومتنا الرشيدة من جهود، ومن رعاية واهتمام بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو سيدي ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهم الله-.
ومع ذلك فإننا لا نستشعر نعمة هذه النعم في ظل ما يعصف بالعالم، وبمن هم حولنا من دول الجوار من كوارث ومصائب، ومِحن وجوع، وخوف وفقر ومرض، وشتات فقدوا معه أسباب الأمن والرخاء والاستقرار.
كما ذكرت نحن لا نستشعر ما نتقلب فيه من تلك النعم إلا إذا فقدنا منها ما يجعلنا نستشعر وجودها، وللأسف أننا إذا فقدنا منها ما كتبه الله علينا من ابتلاء؛ فإننا أيضًا لا نستشعر نعمة هذا الابتلاء، ولا نستشعر أنها بُشرى نقمة في ثوب نعمة وسبب في رحمة الله وثوابه إذا استشعرنا ذلك، وصبرنا عليها كما قال -عز وجل-:
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)
ليتنا نستشعر قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح المتفق عليه: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه).
علينا أن نستشعر حمد الله وشكره على العافية وعلى الابتلاء.
علينا أن نعيد شحن طاقة الاستشعار النفسي والروحي والبدني بما يجعلنا نشعر بسعادة الحياة في رخائها وشدتها.
وكل عام وأنتم شاكرون حامدون لله على كل نعمة أنعم بها علينا في اليسر والعسر، وفي المنشط والمكره.
0