سميت الصحافة “بصاحبة الجلالة” لما لها من عظمة وكبرياء، فعظمتها تأتي من كونها مهنة البحث عن الحقيقة، وكبرياؤها يأتي من نزاهتها؛ فعندما تكشف فسادا، تهتز الدنيا من حولها وتبقى هي شامخة شموخ الجريئ الشريف، ولا تتحرك، وعندما توصل معلومة هامة إلى القارئ فهي تقوم بعمل وطني وإنساني يحتاج إليه المجتمع.
وتزامناً مع اليوم العالمي للصحافة الموافق الثالث من شهر مايو ، خطرت ببالي فكرة وهي التطرق، وبكل شفافية، لتجربتي منذ دخولي إلى عالم الصحافة ككاتب مقالات لنشر ما يجول بخاطري من الأفكار والآراء والمعلومات سواء من خلال ما ألمسه من وقائع وأحداث إيجابية أو سلبية، وذلك كوني فرداً من أفراد المجتمع السعودي وكذلك مختصاً في المجال الاجتماعي ومجال الإدمان والمجال النفسي.
قبل التطرق للعلاقة بين تخصصي وبين تلك المجالات والصحافة، أود قبل ذلك التعريج إلى بداية رحلتي مع الصحافة السعودية، فمنذ مرحلة دراستي المتوسطة، استهواني في ذلك العمر الغض مطالعة الصحف السعودية الورقية، كصحيفة الندوة وصحيفة البلاد وصحيفة المدينة وصحيفة عكاظ، فقد تعلقت بتلك الصحف الغرّاء، كوني من سكان المنطقة الغربية التي تطبع بها تلك الصحف وتركز في أخبارها على مدن تلك المنطقة كمدينة مكة المكرمة وجدة والطائف وهلم جر، بالطبع في تلك الفترة الزمنية لم تكن تظهر بعد الصحف الإلكترونية، ورغم أني من سكان مكة، وحداثة سني، فقد كانت أيضاً تستهويني مطالعة صحيفة الرياض لمتابعة أخبار عاصمة مملكتنا الحبيبة.
كان أكثر ما يجذبني في الصحف، الأخبار المحلية، ومقالات كتاب الرأي، وصفحتي الشيقة صفحة آراء القراء أو منتدى القراء أو صوت المواطن وذلك على حسب ما تسميه كل صحيفة، فكنت استمتع بمداخلات وآراء القراء في تلك الصفحة وقد تعلمت منهم، فمن وقتها تولدت لدي فكرة المشاركة في الصفحة فكنت أرسل بعض الآراء والاقتراحات كملاحظات على بعض الخدمات كخدمات البلدية وشركة الكهرباء والمرور … الخ، والأجمل من ذلك هو تفاعل تلك الجهات الخدمية الحكومية مع آراء القراء والرد عليهم، ثم بعد ذلك شاركت ببعض المقالات في بعض الصحف الورقية والمجلات السعودية.
الشاهد في مقالي هذا، والهدف منه ومن هذه المقدمة هي تلك النتيجة والثمرة التي حصدتها من الدخول في عالم الصحافة كقاريء وشغوف بمطالعة الصحف، قد صنعت مني كويتب صغير ولا أدعي أني أرقى إلى مستوى أساتذتي الكبار كتاب الرأي، ورغم ذلك فقد كانت لكتاباتي البسيطة تلك رجع صدى جميل، وهذا ما قَدّمَتْهُ لي الصحافة، وكان ذلك على النحو التالي :
كتبت مقالاً ونشرته في مجلة الأسرة، وبعد ما يقارب عشر سنوات تعرفت على زميل جديد في العمل، فذكر لي: بأنه سبق أن قرأ لي مقالاً وأن اسمي قد مر عليه من قبل، ولكنه لا يذكر أين، وبعد فترة تذكر، فقال لي: أن قريبته وهي طالبة في المرحلة المتوسطة قد قامت بقص مقالي المنشور من المجلة وشاركت به في الصحيفة المدرسية، رغم أن تلك الطالبة في مدينة أخرى غير مدينتي، فلا تعلمون مقدار السعادة التي غمرتني، عندما علمت بعد سنوات أن مقالي قد آتى أكله، ولا شك أن ذلك الموقف زادني حماساً وإصراراً على الاستمرار في الكتابة والنشر في الصحف لتعم الفائدة، فما كنت أتوقع ما حصل.
قابلت صديق لي بعد عدة سنوات قضاها مسجوناً فذكر لي أن إدارة السجن كانت تستل مقالاتي من الصحف الورقية، وخاصة مقالات التوعية ضد أضرار المخدرات وكان المسؤولون مشكورين ينسخون من المقال نسخاً عديدة على قدر أعداد النزلاء ويوزعونه عليهم للاستفادة منه.
قبل عشرين عاماً تقريباً كنت كمختص اجتماعي وكمتعاون مع صحيفة عكاظ، أشارك المستشارين النفسيين والاجتماعيين في الرد على الاستشارات الاجتماعية، وبعد فترة وفي ذات صباح رن هاتف منزلي وإذا بقارئة كريمة تعرض علي استشارتها ففوجئت بذلك لأن رقم هاتف منزلي غير معلن، ولكن كانت سعادتي بتلقي هذا الاتصال أكبر من أي شيء كون القراء الكرام يبحثون عن رقم هاتفي للتواصل معي لاستشارتي في مشكلاتهم الخاصة، وهذا الموقف جعلني أفكر بمدى الفائدة التي أقدمها من خلال الرد على استشارات القراء ومساعدتهم في حل مشاكلهم.
في ذات صباح نشر لي مقال في صحيفة المدينة الغرّاء وكنت وقتها في مقر عملي أراجع زميل لي في قسم المالية في معاملة، وفي تلك الأثناء تلقى هو مكالمة خارجية من صديق له يعمل في جهة حكومية أخرى وكان الهدف من اتصاله هو تقديم الشكر لي من خلال صديقة، الذي هو زميلي بالعمل، على مقالي المنشور في ذلك اليوم، فما كان من زميلي العزيز إلا إخبار صديقة بأن كاتب المقال موجوداً بجواره في المكتب، فيا لها من سعادة غامرة ويا له من شرف عظيم أن أتلقى الشكر والثناء من القراء الكرام ومن زميلي الذي رفع من معنوياتي بما ذكره لصديقه.
وفي عام ٢٠١٤م، نُشر لي مقالاً في صحيفة المدينة، بعنوان: “الاستشارات الأسرية في المستشفيات الحكومية” وفي نفس اليوم تلقيت اتصالاً هاتفياً من قناة الإخبارية السعودية الفضائية، لطلب مداخلة لي على القناة مع التعليق على مقالي في برنامج أهم أخبار الصحف السعودية والعربية والأجنبية وكان هذا البرنامج يعرض في قناة الإخبارية في الفترة المسائية بشكل يومي، يستعرضون فيه خبراً واحداً من كل صحيفة، وحسب ما بلغني من منسقة القناة بأن مقالي حاز على الخبر الأهم والوحيد الذي تم اختياره من تلك الصحيفة، وعندما تلقيت المكالمة من القناة لتسجيل مداخلتي، كنت وقتها أقود سيارتي فما كان مني إلا الخروج من بين زحمة السيارات والوقوف جانباً لإجراء المداخلة الهاتفية مع القناة، (شكراً صحيفة المدينة وشكراً قناة الإخبارية).
شرفني سعادة رئيس تحرير صحيفة مكة الآن الإلكترونية الأستاذ شاكر الحارثي بأن أكون أحد كتاب الرأي بالصحيفة لمدة عشرة سنوات، خلال الأعوام (١٤٣٣هـ – ١٤٤٣هـ) وكانت حصيلة تلك السنوات تأليف كتاب عبارة عن مجموعة مقالية أسميته “جعلوني مجرماً” ويباع في جميع فروع مكتبات جرير بالسعودية، فكل الشكر والتقدير للأستاذ شاكر، الذي أتاح لي الفرصة لمطالعة القراء الكرام بمقالي الأسبوعي الذي كنت أتلقى عليه الإطراء منهم، فكان كالوقود الذي يدفعني لمواصلة المسير في الكتابة.
والشكر موصول لسعادة رئيس تحرير صحيفة مكة الإلكترونية الأستاذ عبدالله الزهراني، الذي شرفني وأتاح لي الفرصة والقبول لأكون ضمن الكوكبة الساطعة من أساتذتي الكبار كتاب الرأي بالصحيفة.
هذه بعض الأمثلة والمواقف البارزة التي جنيتها من وراء الصحافة، اكتفي بها وهناك غيرها من المواقف، فشكراً كل الشكر لهذه الوسيلة الإعلامية التي تمكنت من خلالها من التواصل مع القراء الأعزاء.
كم هي جميلة الكتابة في صاحبة الجلالة كوسيلة إعلامية رسمية، لنشر العلم والفائدة على شريحة عريضة من المجتمع من خلال تلك الوسيلة ولكن الأجمل هو تفاعل القراء والمسؤولين فهم الداعم الأول والحقيقي للكاتب.