المقالات

الصحافة بين (الأمل) و (قصة الأمس)

بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة (3- مايو) وموضوع احتفال هذا العام ”الصحافة تحت الحصار الرقمي“، تذكرت تصريحًا لأحد وزراء الثقافة والإعلام السابقين طالب فيه (بإغلاق الصحف الورقية وتركها تموت؛ بدلًا من أن تقدِّم الدولة أي دعم لإنقاذها)، وما تلا تصريحه بعد ذلك من ردود فعل غاضبة، وتعجبت مما كتبه حينها (بعض) أهل الصحافة الورقية (من) مقالات وتغريدات تندب ما آل إليه حالها وتراجعها أمام الصحافة الإلكترونية، ومطالبة (بعضهم) باستمرار وزيادة الدعم الحكومي؛ وكأنهم يريدون إيقاف عجلة الزمن! وكأنهم لا يرون انخفاض أرقام التوزيع (الحقيقية)، وكأنهم لا يعلمون عن المصاريف الإدارية والتشغيلية للمؤسسات الصحفية! وسبب التعجب هو أن تراجع الورقية لا يُعتبر أمرًا مفاجئًا في ظل الطفرة التقنية التي يعيشها العالم، والتي ألقت بظلالها على المشهد الإعلامي بشكل عام والصحفي بشكل خاص.

إن نقل الخبر (في عصر التقنية) لا يكفي لصناعة صحافة ورقية تنافسية، فالأجهزة الذكية (الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والساعات الذكية…)، وسيطرتها على مفاصل الحياة أدت إلى تغيير الطريقة التي يتم بها نقل ومتابعة الأخبار والأحداث. لن يحتاج المتابع إلى انتظار صباح اليوم التالي حتى يشتري صحيفة من عشرات الأوراق؛ ليطلع أو يتابع المستجدات، فبإمكانه معرفة الجديد (ليلًا ونهارًا) بمجرد ضغطة على رابط أحد المواقع، هذه الحركة (الضغطة) أصبحت هي نقطة التواصل بين الفرد والعالم.
ولا ينحصر تطور الصحافة الإلكترونية في سرعة نقل الأخبار، بل يصل إلى تحرير المقالات بواسطة أنظمة (الذكاء الاصطناعي)؛ حيث تستعين كبرى المؤسسات العالمية الصحفية بهذه التقنية معتمدة على أنظمة وبرامج متطورة (يتم تزويدها بالبيانات) لاستخراج حقائق مترابطة يمكن أن تشكل أساسًا للسرد، وبعد أن يتم وضع خطة للمقال يتم تجميع المحتوى والصياغة باستخدام أدوات Natural Language Generation (NLG)، هذه الأنظمة تستطيع تحرير آلاف المقالات التي تتناول مناسبات وأحداث كبرى في حال أن البيانات عالية الدقة وشديدة التنظيم ومتاحة كمدخلات، مثل كتابة المقالات الخاصة بالحج إذا تم إدخال أعداد الحجاج وحركة الطيران الدولي وعدد التأشيرات الممنوحة لحجاج الخارج والتصاريح لحجاج الداخل والدعم الحكومي اللامحدود في المجالات المختلفة …إلخ، هذا لا يعني أن الأنظمة سوف تأخذ مكانة الصحفيين (البشر) أو مقدمة للاستغناء عنهم، بل سوف تزداد الحاجة لكتَّاب المقالات (التخصصية وأولئك الذين طوروا مخزونهم المعرفي وقدراتهم التقنية لطرح ومناقشة موضوعات تتناسب والتغيرات في شتى المجالات على مستوى العالم) بروح إنسانية وخيال بشري.

ليس هذا فحسب، فالتوسع في شبكات الجيل الخامس وانتشار أجهزة إنترنت الأشياء (IoT) أدى إلى تغيير كبير في عمل وتميز المؤسسات الصحفية. فأجهزة (إنترنت الأشياء)، وما تحتويه من حساسات Sensors تخزن، وترسل كميات كبيرة من البيانات الضخمة، سوف تشكل مصدرًا ثريًا للمعلومات ويستطيع الكاتب (المتميز) أن يطلق لخياله العنان؛ ليكتب العديد من المقالات والتقارير الصحفية (المدعومة) بأرقام وبيانات مستخرجة من تلك الأجهزة (حينها قد يختفي شعار المصدر الخاص)!

في زمن الصحافة الورقية، كانت هناك الصحف السياسية والاقتصادية والفنية والرياضية والشاملة …إلخ، ولا تزال هذه التصنيفات متاحة في العصر التقني، ولكن بشكل أسهل ومختلف، حيث يتم الأمر من خلال قبول ملفات تعريف المستخدمين (Cookies)، وتفعيل المواقع (GPS) وبعدها يتم تخصيص الأخبار والإعلانات وتصميم المحتوى …إلخ، حسب اختيارات المتابع وموقعه الجغرافي.

هذه التطورات المتسارعة تفرض على الشركات ووكالات الدعاية والإعلان (والمعلنين بشكل عام) إعادة النظر في آليات التسويق والإعلان والتوجه بشكل أكبر للاستعانة بالصحف الإلكترونية، وتخفيض نفقات الاعتماد على الصحف الورقية لعدة أسباب منها زيادة مساحة الانتشار، فالورقية محدودة بمكان التوزيع بينما الإلكترونية تصل للعالم. كذلك سوف يجد القائمون على الصحف الإلكترونية أنفسهم أمام تحديات تفرض عليهم صياغة خطط استراتيجية تهدف إلى رفع مستوى المصداقية (في النقل) لكسب ثقة المتابعين، واستقطاب المتميزين من الكتاب وأصحاب الفكر، وتطوير مداخيلها، والتواصل مع شركات الإعلانات، وتكوين التحالفات القوية (أو الاندماج) حتى تضمن الصمود في هذا الفضاء، قبل أن تصبح هي أيضًا مؤسسات تجاوزها الزمن.

خاتمة:
الإلكترونية هي (الأمل).. الورقية هي (قصة الأمس).

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button