فاتحة:
“إلى المثقف الكبير الدكتور يوسف العارف الذي نعتز بدوره في خدمة المعرفة والثقافة. أخوك محمد سعيد طيب رمضان 1443هـ”.
بهذه الكلمات أهداني أبو الشيماء آخر كتبه الموسوم بـ(صفحات من مسيرة محمد سعيد طيب) والتي أعدها نخبة من أصدقائه، ونشر هذا العام 1443هـ/2021م.
* * *
(2) وكعادتي في قراءة الكتب، ألقيت نظرة سريعة وعجلى على الكتاب فألفيته صورة بانورامية لشخصية محمد سعيد طيب الناشط الاجتماعي وصاحب الأثر الفكري والمسيرة الإعلامية والاجتماعية والثقافية التي يتدثر بها كاتباً أو ناشطاً أو مفكراً أ, صاحب رؤية، يستلهمها القارئ من ثنايا المقالات التي كتبها، والمقدمات التي حررها، والحوارات والتحقيقات التي شارك فيها.
ولكن الجديد في الكتاب – من وجهة نظري – أنه يتمحور حول جنسين أدبيين تعرفهما الساحة الثقافية وهما: جنس السيرة الذاتية التي يكتبها الشخص عن نفسه، وجنس السيرة الغيرية التي يكتبها الآخر عن الغير. لكن هذا الكتاب يجمع بين هذين الجنسين (الحقلين) الأدبيين في حقل واحد يمكن تسميته بـ(السيرة الثنائية)، فالذاتية كَتبَتْ والغيرية الآخرية اختَارَتْ ونشرت، فنحن – إذن – أمام جنس كتابي توثيقي/ تجميعي لمسيرة وسيرة شخصية.
وقد جاءت هذه السيرة عبر محورين رئيسين يضمان فروعاً وأقساماً متعددة:
المحور الأول: مقالات ومقدمات، ومقولات كتبها الشخص/ صاحب السيرة، في مراحل متفاوتة/ متباعدة زمنياً ومتآلفة موضوعاتياً إن ثقافياً أو اجتماعياً أو فكرياً ومعرفياً.
وفي هذا الجزء وجدنا البعد الثقافي والفكري والسياسي الذي ينطلق منه، والآفاق التي يتغياها ويتطلع إليها عبر كتاباته وآرائه وفلسفاته.
والمحور الثاني: تحقيقات وحوارات وتعليقات صحفية، وكتابات إخوانية، ومقولات عنه من رفاق الدرب والحياة، وفي هذا الجزء نجد النقاشات والآراء والقناعات والنشاطات الإصلاحية والاجتماعية والسياسية وأمور الشأن العام.
وهنا يبدو التساؤل المحوري: من هو المؤلف الحقيقي/ الظاهري ومن هو المؤلف المتخفي/ الضمني. وأعتقد أن الإجابة المنطقية تشير إلى أن المؤلف الحقيقي محمد سعيد طيب الذي رجع إلى ملفاته وأوراقه واصطفى منها هذه الصفحات ودفع بها إلى المؤلف الثاني/ الضمني/ المتخفي (النخبة من الأصدقاء) فجيرها لهم – مشكوراً – ليتخفى (هو)، ويحضرون (هم) ليأتي السؤال الأخير: من هم أولئك الأصدقاء النخبة؟!
وهذا هو السؤال!!؟
* * *
(3) وفي مجمل الكتاب يبرز الهمَّ الوطني، والشأن الاجتماعي، والفكر الإصلاحي، والروح المتطلعة لواقع جديد مفارق ومغاير للواقع المعاش.
ولعل كاتباً أو محللاً أو ناشطاً ثقافياً أو دارساً أكاديمياً في إحدى جامعاتنا السعودية يتفرغ لتحليل ودراسة هذه الصفحات السيرية ليخرج لنا برؤية شاملة وجامعة مانعة عن الخط الإصلاحي الذي تسير فيه شخصية صاحب السيرة والمسيرة. وحتى نجد ذلك الكاتب والدارس والباحث الذي يفرغ نفسه لهذه المسألة، سأشير هنا إلى جزئية حفل بها الكتاب، ولم يحفل بها القراء والكتَّاب حتى الآن، وهي زاوية التغريدات التي جاءت تحت عنوان (للتأمل) والتي بلغت (60 ستين) تغريدة!!
وهذه التغريدات أفق موضوعاتي قابل للدرس والتحليل، ولعله يكون أحد مشاريعي الكتابية القريبة – إن شاء الله -!!
وهذه التغريدات (الستون) متعددة الاتجاهات والأفاق، وتتنامى من الثقافية إلى الاجتماعية ومن الوطنية إلى السياسية، ومن الفكرية إلى الدبلوماسية!!
ووجودها في الكتاب تمثل روابط معرفية وفكرية للتأمل وإعمال عقل القارئ وتنشيطه ثقافياً وسياسياً وفكرياً . وبكل تأكيد فهي تدل على عقل وفكر صاحبها وكاتبها، وسنرى في مضامينها انفتاحاً على كل المستويات – كما أشرنا قبل قليل -.
وهنا يستوقفني السؤال عن صاحب هذه التغريدات أهو محمد سعيد طيب صاحب المسيرة؟! أم هم النخبة من الأصدقاء الذين أعدوا وحرروا هذا الكتاب/ هذه الصفحات؟! وهل نشرت تويترياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة أم صيغت لهذا الكتاب وعبر هذه الصفحات فقط؟! هذا هو السؤال!!؟
* * *
(4) وحتى نحصل على الإجابة سأتوقف مع هذه التغريدات لأميت المؤلف (مؤقتاً)، وأتعامل معها على أنها نصوص قابلة للتفتيق والمساءلة وسأختار بعض التغريدات الثقافية لعلها تكون فاتحة للقراءة الموسعة القادمة إن شاء الله.
على الصفحة 20 كانت التغريدة تؤكد على أهمية القراءة إذ يبدؤها بقوله: (ويل للذين لا يقرأون).. ويختمها بقوله: (إنها مضاد حيوي شديد الفعالية ضدَّ الاكتئاب وهموم الحياة وأحزانها)!! وهنا نلحظ ثنائية القراءة/ المضاد الحيوي ضد هموم الحياة ، والجهل وعدم القراءة !!
وعلى الصفحة 90 تتعالق التغريدة مع الإعلام والإعلامي العربي الذي يرى نفسه عبر ثقافة الأنا الفاضلة والمثالية، المتعالية والتقليل من شأن الآخر!! وهنا نلحظ ثنائية الأنا الفاضلة والآخر المفضول!!
وعلى الصفحة 148 نجد التحديات التي تواجه المثقف العربي الذي يقف بين مطرقة (الإغراء) وسندان (الإغواء) والتأكيد على وجود جهات متخصصة لشراء الذمم والضمائر!! وهنا تحضر ثنائية التخفي والتجلي !!
وعلى الصفحة 272 والصفحة 282 يترحم على شخصيتين بارزتين في مشهدنا الثقافي السعودي هما: محمد صادق ذياب (لقد غادرنا مبكراً) الأديب الجميل النبيل المتماهي مع آمال الناس!! وغازي القصيبي الذي كان كالمتنبي شاغل الناس ومالئ الدنيا (رحم الله غازي.. افتقدناه).
هذا غيض من فيض أردت فقط استجلاءها ووضعها على محك النقد والتحليل.
* * *
ختام:
ولايزال الكتاب مثيراً للقراءة والتناول والاستفادة، ففيه تنجلي صورة عن شخصية أبي (الشيماء) أو أبي (عبدالناصر) ولكن (يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق).. كما هو المثل السائر/ المعروف ولكني أقف تقديراً واحتراماً لهذا الشخص الذي قال عن نفسه: “لقد مشيت على مراحل مختلفة في حياتي، على الشوك، وعبرت بالعديد من حقول الألغام، وسبحت ضد التيار!! ولا مزيد لمستزيد!
والذي قال:
“لقد قلت كل ما لدي..
.. وليس ثمة جديد!!”
وقولته:
“ليس عندي ما أخشاه
وليس عندي ما أخفيه
وليس عندي ما أخجل منه!!”
إن شخصاً بهذا التفكير، وهذه الأفكار التي كانت لا شك نتيجة تجارب وحوادث وحكايات تجعلنا نتذكر إحدى مقولات المناضل الأفريقي نيلسون مانديلا والتي جاء فيها :
” لقد حطمتني الحياة عدة مرات ، ورأيت أموراً لم أراها ، عشت الحزن ، الفشل ولكن المؤكد أنني كنت أنهض …”
كما أقف محبة لهذا الشخص الذي ملأني زهواً واستبشاراً ذات مساء عندما دعينا إلى دارة معالي الأستاذ إياد مدني الوزير الأسبق للمشاركة في استضافة صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل والحوار معه في أمسية باذخة كان من بين المشاركين صاحب هذا الكتاب/ محمد سعيد طيب فلفت نظري بطروحاته ومداخلاته الواعية والمكتنزة بالآراء الوطنية والمقترحات الإصلاحية!! فهو هو أينما حل وحيثما رحل صاحب رأي شجاع/ مفكر وطنيٌّ حتى النخاع.
يقول حمود أبو طالب الصحفي المعروف – في إحدى صفحات هذا الكتاب (ص 129):
“سوف يذهب زمن..
وسوف يأتي زمن..
وسوف تذهب أسماء..
وتأتي أسماء..
لكن…
سوف يبقى اسم بضخامة الوطن والإنسانية
سوف تشرئب الأعناق والقلوب والضمائر
إلى: مساء الثلاثاء..
إلى الطيب، اسماً، وفعلاً، و… رمزاً”
والحمد لله رب العالمين.