التجارة في تعريفها البسيط تقوم على طرفين: بائع (كل من يقدَّم خدمة بمقابل) ومشترٍ (مستهلك)، ومن اجل هذين الطرفين (والعمليات بينهما) يتم تأسيس العديد من الكيانات الرسمية (التجارة- الصناعة- الزكاة- الجمارك- الغرف التجارية والصناعية…إلخ). الكيانات الرسمية تحفظ حق الدولة (من حيث الرسوم والضريبة والاستهلاك الكهربي والمائي والاستقدام والبلدية … إلخ)، حق البائع محفوظ بالعقود و(بعضهم) يحفظه من خلال الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمة)، فإذا ما أخل مستهلك بالتزاماته فسوف يتم إدراج اسمه ضمن قوائم ملونة (تنفيها سمة دائمًا)! أما حق المستهلك فقد تفرق بين القبائل أيهم سوف ينصره أهي جمعية حماية المستهلك؟ أم وكالة حماية المستهلك؟ أم هيئة المواصفات؟ أم هيئات أخرى مثل (الاتصالات والمعلومات، الطيران المدني، تنظيم الكهرباء والماء …) ترفض التدخل إلا بعد تقديم شكوى لخدمات عملاء (البائع) وبعد تعذر الحل من طرف البائع!
ما يعانيه المستهلك في السوق السعودي لا يتوقف عند الأسعار فقط، بل يمتد إلى عدم وضوح المواصفات الأساسية للمنتجات، وضبابية خدمات (الترقية وما بعد البيع) وأحقية الصيانة… إلخ، معاناة المستهلك تحتاج تدخل عدة جهات رسمية وعلى رأسها اللجنة المختصة في مجلس الشورى لوضع أسس ونظم حماية المستهلك الذي يجد نفسه تائهًا في سوق ينقصها الكثير من الضبط والربط، وهذا ينعكس على الأسعار التي يتلاعب بها التجار.
في سوقنا، والذي يعد الأكبر في الشرق الأوسط، لا توجد (مواصفات أساسية موحدة) لبيع (العديد) من المنتجات، وهذا (قد) يفتح بابًا لتضليل المستهلك فلا يستطيع المقارنة بين أسعار المنتج الواحد، نجد على سبيل المثال، أن (بعض) أكياس النفايات البلاستيكية تُباع (بالعدد) وبعضها الآخر (بالوزن)! كيف يقارن المستهلك منتجًا واحدًا تم تسعيره بوحدتين مختلفتين؟ كيف يقارن سعر حزمة من (50 كيسًا) مع سعر حزمة أخرى وزنها بالغرام؟ في سوقنا أيضا، بعض الجهات تسوِّق لخدماتها الجديدة (أو لترقية الخدمات القديمة) دون توضيح (كاف وشفاف) للمستهلك بما تتطلبه الخدمة الجديدة من أجهزة وتحديثات، وبعد الإيقاع بالمستهلك وتنفيذ عملية الشراء، يجد المستهلك نفسه غير قادر على تفعيل الخدمات الجديدة، و(مجبرًا) على شراء أجهزة جديدة للاستفادة من تلك الخدمات التي دفع قيمتها مؤخرًا! وإذا ما قرر المستهلك التراجع عن الخدمة الجديدة، سوف يهدده البائع بتطبيق غرامة التراجع! ولعل موضوع (الضمان والصيانة) هو الأهم بعد إتمام عملية الشراء، فالمستهلك لا يريد تحمل أعباء مالية إضافية للإصلاح، والبائع لا يريد تحمل تكلفة أجرة الفنيين وقطع الغيار، ولهذا يكرر البائع أنه لا ضمان ولا صيانة إلا بفاتورة (أو صورة منها). ورغم أهمية الفاتورة إلا أنه لا توجد صيغة موحدة لإصدارها، (بعض) الباعة يحررها بصيغة (11/03/2015)، والبعض يطبعها بصيغة (03/11/2015) وثالث يصدرها بصيغة (11/03/15)، قد لا نهتم بصيغة الفاتورة عند إتمام عملية الشراء، ولكن سوف تبدأ المعاناة إذا تعطل الجهاز، وبدأ التواصل مع أقسام الصيانة، حينها لابد أن تثبت (أنت كمستهلك) بأن عملية الشراء التي تمت بتاريخ (11/03/15) هي في سنة (2015) وليس في عام (2011)، وأنها في شهر (03) وليست شهر (11) فإذا عجزت أنت (كمستهلك) عن إثبات ذلك، حينها سوف تتحمل قيمة القطعة وأجرة الفني!
لكن ما علاقة المكتوب أعلاه بالتقنية؟!
تقنية المعلومات من خلال تطبيقات مثل: (توكلنا – اعتمرنا…) مكنت الجهات المختصة من ضبط كثير من الأمور التنظيمية والأمنية، وبالإمكان إنشاء تطبيقات مشابهة (لحماية المستهلكين) تمكنهم من الاطلاع على معلومات تفصيلية عن المنتجات قبل اتخاذ قرار الشراء، وتحفظ حقوقهم بعد الشراء، وأقترح أن تتولى (جهة مستقلة) عملية إنشاء قواعد بيانات ضخمة (مرتبطة ببعضها) لكل ما يباع في السوق (مواد استهلاكية والكترونية ومعدات … إلخ)، بحيث تشمل قواعد البيانات (أدق) تفاصيل المنتجات (المحلية) منذ خروجها من المصنع المحلي، أو (المستوردة) منذ وصولها للجمارك، حتى دخولهم لمخازن الوكيل وكيفية توزيعهم على نقاط البيع.
أزمة السيارات الأخيرة، كشفت غياب المعلومة الحقيقية عن حجم المتاح في السوق، كم عدد السيارات المباعة وكم بقي منها في المستودعات؟ كيف يمكن مراقبة مخزون (سلعة ما) بدون قواعد بيانات محدثة وموثوق بها؟ كيف نمنع احتكار (سلعة ما) ونسيطر على أسعارها؟ كيف نستطيع مراقبة عمليات البيع الحقيقية والسيطرة على غسل الأموال وتدقيق الضرائب فعليا؟ كيف نسيطر على البضائع المقلدة والمهربة؟
قواعد البيانات وتحليلها والتطبيقات المنبثقة عنها سوف ترفع درجة الشفافية في السوق السعودي، وتؤدي إلى زيادة ثقة المستهلك في حركة التجارة المحلية وتحفظ حقوقه وتلقي بظلالها على جوانب الحياة الأخرى للمستهلك (الصحية والنفسية …).
خاتمة:
بمناسبة فترة الامتحانات:
استخرج من المقال أعلاه المشوي على السيخ.