منذ بدء الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا؛ في 24 شباط / فبراير 2022، أو كما تُفضل روسيا بتسميته: بـ”العملية العسكرية في أوكرانيا”، انطلقت حملة إعلامية غربية معارضة للهجوم الروسي، ولم يكن من المتوقع أن تكون مطابقة للواقع، بل مُختَلَقَة كليةً، من وجهة النظر الروسية، بحسب تقرير مطول لموقع (ساسة بوست)، الذي أراد من خلاله رصد ما أسماه بوجهة النظر الروسية في التغطية الصحافية والإعلامية للصراع المسلح على الأراضِي الأوكرانية؛ وذلك في محاولة لإيجاد التوازن الموضوعي في التغطية الإعلامية كما يزعم تقرير الموقع؛ الذي يعتبر من المواقع الناطقة بالعربية التابعة للصوت الغربي في تغطيتها الصحافية لتفاصيل الأزمة والحرب “الروسية-الأوكرانية” طوال أيامها.
ويوضح التقرير: وتضمنت الدعاية الغربية أمورًا عديدة، أولًا: مسار “العملية العسكرية” على الأرض. وثانيًا: إلقاء الضوء على أي مظاهر معارضة لغزو “أوكرانيا” داخل “روسيا”. وثالثًا: وبالطبع الأثر “المدمر” للعقوبات الاقتصادية الغربية على “روسيا”.
فمنذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا؛ سارعت وسائل الإعلام الغربية لوصفها بالغزو/الهجوم: “غير المبرر”، ورسمت التقارير الغربية صورة معينة لجذور الصراع الحالي؛ تقوم بمجملها على سردية أن هناك شعبًا حصل على استقلاله عام 1991، بعد انهيار “الاتحاد السوفياتي”، وأصبحت غالبيته المتحدثة بالأوكرانية؛ في غرب البلاد، تُريد الفكاك من علاقتها التاريخية بالشرق؛ روسيا، والاتجاه نحو الغرب؛ “أوروبا” تحديدًا، و”حلف شمال الأطلسي”؛ الـ “ناتو”.
المفكر الأمريكي جون مارشيمير، الذي كسب شهرة واسعة بعدما تنبأ بأزمة أوكرانيا-روسيا قبل حدوثها بسنوات يقول “عندما تقول أمريكا: إنها تريد نشر الديمقراطية في بلد ما، فهذا يعني أنها تريد إسقاط نظام تلك الدولة”، ويضيف “أمريكا لا تهدف لنشر الديمقراطية، بل لتعيين حكومات موالية لها”، وكما هو معلوم شكَّل الإعلام على مدى عقود طويلة أداة رئيسة من أدوات إدارة الحروب والصراعات.
سواء كوسيلة من وسائل الحشد والتجنيد وبث روح البطولة والتحفيز في جنود وشعب البلد الذي ينتمي إليه، أو كوسيلة للحرب النفسية وتزييف الحقائق وإضعاف الروح المعنوية لجنود وشعب البلد العدو.
وزادت أهمية الدور الذي يلعبه الإعلام بصورة كبيرة بعد انتشار الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، حتى أصبح الأداة الأكثر أهمية ضمن ما يُعرف بـ”حروب الجيل الخامس”.
بطبيعة الحال لم تكن الحرب الروسية-الأوكرانية استثناء من هذا التطور، بل كانت تجسيدًا حيًا لكيفية استغلال وتوظيف الإعلام كوسيلة رئيسة من وسائل إدارة الحرب والصراع بين الجانبين الروسي والغربي “الداعم لأوكرانيا”؛ حيث تعامل هذا الأخير، أي الإعلام الغربي، مع الحرب باعتبارها فرصة سياسية، يمكن توظيفها في التحريض ضد روسيا.
وفي هذا السياق نشرت العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية والمحطات التليفزيونية الغربية مقابلات وتحليلات ومقالات رأي للعديد من الكتاب، ركزت أغلبها على تشويه صورة روسيا، والتشكيك في سياساتها الخارجية وأسباب ودوافع “حربها” على أوكرانيا.. يوسف جمعة الحداد، صحيفة العين الإخبارية.
لقد تكشفّت آثار الحرب الروسية الأوكرانية عن ازدواجية المعايير في عنصـريـة الغـرب “الحرّ المتحضر”، وكذب نُخبه وإعـلامه، وزيف شعاراتهم الإنسانية المزعومة، فها هو اليوم يرفع عنوان السيادة والوَحدة الترابية للوقوف ضدّ الغزو الروسي، بينما داس على كل مواثيق الأمم المتحدة في احتلاله لأفغانستان والعراق وتفكيك ليبيا وتدمير سوريا.
وبكل جرأة تستنفر وزيرة خارجية بريطانيا مواطنيها وعموم الأوروبيين للقتال في أوكرانيا، أمّا التجنيد سابقًا في العراق والشيشان والبوسنة والهرسك وغيرها فهو “إرهاب”، بل إنّ دول أوروبا ترفض حتّى استقبال العائدين من ميادين القتال العربية والإسلاميّة.. عبدالحميد عثماني.
ولا ننسى أنّ الدول الغربية حرّمت على الفلسطينيين والعراقيين التزوّد بالسلاح، لأنّ المقاومة ضدّ الاحتلال “إرهاب” موصوف عندهم، أمّا اليوم فإنّ السِّلاح النوعي والصواريخ المضادّة للطائرات وكلّ الآليات العسكرية تتدفّق على أوكرانيا.
فهل أصبحت وسائل الإعلام هي اليد اليمنى للفوضى.. كما يذكر دان براون؟
———————-
محلل سياسي، ومختص في العلاقات التاريخية بين الدول-