ماذا يرى الأعمى في الحقيقة والمنام؟ وكيف يتنقل بمفرده دون مساعدة؟
تكررت عليَّ هذه الأسئلة كثيرًا، ويصر السائلون من المبصرين على أن الكفيف يرى اللون الأسود، أحاول هنا أن أوضح ذلك، نحن نتحدث عن فاقدي البصر بشكل كلي منذ الولادة أي أنهم لم يسبق لهم رؤية أي شيء أبدًا. عزيزي المُبصر هل خطر ببالك يومًا مثل هذا السؤال؟ ستقول ببساطة الموضوع سهل سأغمّض عيني!
للأسف هذا التصور غير دقيق؛ فإنك عندما تغمض عينيك أو تكون في مكان مظلم ستظل في مقدار ثابت من الاستثارة العصبية لمستقبلاتك الضوئية، وعصبك البصري سيستمر بإرسال تدفقاته العصبية للمخ .. وهذا يجعلك قد ترى اللون الأسود. أما الأعمى فلا يرى شيئًا حتى اللون الأسود !
لأنه فاقد عصبه البصري أصلًا. “أعرف أن مجرد تخيل هذا الأمر سيصعب عليك ..
كأن أطلب منك أن ترى من خلال خدّك أو إبهامك؟؟
هل سترى لونًا أسود؟
لا لن ترى شيئًا أصلًا..
نفس الفكرة الأعمى لا يرى شيئًا كذلك. هناك تجربة أخرى لطريقة عدم رؤية أي شيء للمبصر، وهذا يتطلب إغلاق إحدى العينين مع التركيز بالعين الأخرى على شيء محدد، في تلك اللحظة لا يمكنك رؤية أي شيء بالعين المغلقة، ولا حتى اللون الأسود الذي تراه عندما تُغمض كلتا عينيك. لهذا لا يمكن للمكفوف شرح “رؤية لا شيء” لشخص يتمتع ببصر سليم. أضرب لك مثالًا غريبًا ومختلفًا: الإنسان الذي يوُلد “أصم” .. بأي لغة يفكر داخل عقله؟ لو قلت لي: إنهم يفكرون بأصواتهم الداخلية، سأجيبك بأن هذه الإجابة غير واضحة؛ لأن أصواتنا الداخلية تكون انعكاسًا للغتنا الأم..
فكيف يكون لهم أصوات داخلية غير خاضعة لأية لغة؟! أنتقل معكم إلى ما قد يراه الأكّفاء في أحلامهم، وهنا أيضًا نتحدث عن الشخص الأعمى تمامًا منذ ولادته فالموضوع لا يختلف كثيرًا عن سابقه؛ لذلك نستطيع القول: الشخص الذي يولد أعمى لديه أحلام لكنه لا يرى الصور. فأحلامه تكون صوتية مع وجود بقية الحواس مثل: اللمس والشم، والمشاعر والخيال الواسع؛ بحيث قد يقود السيارة في الحلم، ولكن دون رؤية أي شيء. من ناحية أخرى، إذا كان الشخص لديه البصر ثم فقده، فقد تتضمن الأحلام صورًا للأشخاص الذين رآهم قبل فقد البصر ومع مرور الوقت؛ فإن هذه الصور ستتلاشى تدريجًيا نظرًا لعدم رؤيته لهم في الواقع لفترة طويلة والله أعلم.
من خلال معرفة ما سبق يتبادر سؤال لدى الكثيرين: كيف يتنقل الكفيف بمفرده على الأقل في الأماكن التي يرتادها ويتردد عليها؟ هذا يعتمد بالدرجة الأولى على السمع بارتداد الصوت مثلًا، أي أنه يسمع صوتاً وينتظره كي يرتد عن الجسم الذي بالقرب منه لاكتشاف حجمه وتحديد موقعه من أجل تجنب الارتطام به، ولكي تتضح لك الصورة أكثر؛ فإنك عندما تغلق عينيك وتدخل غرفة فإنه قد يكون بإمكانك تحديد ما إذا كانت كبيرة أم لا بحسب الصدى الذي تسمعه؛ لذلك فاعتماد الكفيف في التنقل وتحديد المواقع يكون على الأصوات المحيطة به ولو أغلق أذنيه تمامًا لقُيدتْ حركته وتعرض للمخاطر. وهنا وقفة، لعل أهمية السمع من أسباب تقديمه على البصر في القرآن الكريم. فقد أدركت مع مرور الوقت ما السر وراء تذكير القرآن لنا بالنعم العادية والصغيرة والخفية رغم تذكيره لنا بالنعم الرئيسية وبالحد الأدنى منها..
ونحن نمر على آياتها مرور الكرام دون أن نتأملها، لذا علينا ان نتفكر وأن نتدبر كيف لو كانت حياتنا بدونها..؟ يقول الله تبارك وتعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ) ! فسورة الرحمن لم تحكِ عن نعمة العلوم المعقدة والشهادات الثمينة، ولكن حكت عن أمر أبسط من ذلك بكثير، مجرد نعمة القدرة على التبيين والإيضاح، وشرح مكنونات النفس للآخرين..
“خَلَقَ الْإِنسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ”. فاللهم اجعلنا من الشاكرين لنعمك التي لا تعد ولا تحصى.
معلم تربية خاصة مسار بصري
مقال جميل و يعطي تصور واضح عن حياة المكفوفين
نشكر لك مشاركتك القيمة و نسال الله التوفيق للجميع و الى الامام يا استاذ عبدالوهاب
مقال رائع جدا