المقالات

تطور نظرية المنهج

يعتبر الموضوع التربوي من أبرز المواضيع التي احتلت حيزًا واسعًا في تفكير العلماء ونظرياتهم، وذلك سعيًا منهم للنهوض بالواقع التربوي للإنسان منذ القدم، وعلى اعتبار أن المنهج هو الإطار الذي يحيط بالعملية التربية وينظم حيثياتها؛ فقد كان له حصة واسعة من النظريات التي سعت لتطويره.
حيث يعرف المنهج بشكل عام بأنه كل الخبرات التي يتلقاها المتعلمون تحت رعاية أو توجيه المدرسة، وقد ظهرت النظريات المعنية بالمنهج بشكل بسيط في عام 1920، وفي عام 1947 كانت البداية الفعلية لمناقشة كافة النظريات التي تتعلق بالمنهج، ولكن بقي هذا الموضوع غامضًا نوعًا ما على الرغم من عقد المؤتمرات الخاصة به إلى أن أصدر العالم بوشامب في عام 1961 كتابًا بعنوان نظرية المنهج.
وعرف بوشامب نظرية المنهج في كتابه على أنها مجموعة من الأحداث المرتبطة، والتي تعطي معنى لمنهج مدرسة عن طريق إبراز العلاقات بين عناصره وتطويره واستخدامه وتقويمه. وقد تضمنت هذه النظرية بُعدين رئيسيين، البُعد الأول يتضمن تنظيم الأهداف والمحتوى الثقافي حيث يعنى هذا البُعد بكل ما يتعلق بالواقع الكلي، والعناصر وترتيب وثيقة المنهج، والبُعد الثاني يحتوي على القرارات التي تتخذ في مجال المنهج، والتي تسعى لتنظيم الأجزاء المختلفة للمنهج وبخاصة المحتوى الثقافي.
كما يتمتع المنهج بخصائص رئيسية حسب بوشامب، الذي أكد على ضرورة وجود وثيقة مكتوبة حتى يسهل رؤية ملامح المنهج ومحتوياته وسمات التصميم للمنهج، وأشار إلى العناصر الرئيسية التي يجب أن تكتب ضمن هذه الوثيقة وهي:
1- المحتوى الثقافي المراد تعلمه: يستخدم مصطلح المحتوى الثقافي هنا للدلالة على كل من (المادة – الموضوع – المحتوى) أي ما نريد أن يتعلمه الطالب.
2- الأهداف العامة أو الأهداف الخاصة: ويشمل هذا العنصر النتائج المرجو الحصول عليها عن طريق المنهج، وتقسم هذه النتائج إلى (معرفية – مهارية – وجدانية)
3- الطرق والوسائل المستخدمة لتحقيق الأهداف أي تحديد العلاقات بين المنهج والاستراتيجيات التدريسية.
4- تقويم المنهج: والمقصود بذلك هو تقييم بشكل موضوعي لخطة المنهج وإعطاء بيانات تتعلق بالخطة الذي سار وفقها، والاستفادة من تلك البيانات في التغذية الراجعة.
وتتجلى أهمية نموذج بوشامب في المنهج بأنها:
– وضحت العلاقات المتبادلة بين العناصر الرئيسية التي يبنى عليها المنهج والمتغيرات من حوله.
– قدمت نظرة متكاملة للأسس التي يجب أن يبنى وفقها المنهج.
– وضحت أهمية القيام بتقويم المنهج بشكل مستمر.
وبالإضافة إلى نظرية بوشامب فقد ظهرت العديد من النظريات والنماذج التي اهتمت بدراسة قضايا المنهج أيضًا، ولعل أبرزها:
نموذج “رالف تايلور” الذي اعتمد على ضرورة دراسة الواقع وجمع المعلومات ثم القيام بوضع الأهداف التعليمية، بالإضافة إلى نموذج “هيلدا تابا” التي بنت نموذجها حول فكرة رئيسية هي ضرورة تطوير المنهج عن طريق المعلمين فقط، كما جاء نموذج “ويلر” الذي اتصف بمرونة وتكامل ملحوظين بن العناصر الرئيسية للمنهج.
وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة لنظرية المنهج إلا أنها قوبلت بانتقادات كثيرة من قبل علماء التربية والباحثين التربويين؛ حيث استندوا إلى مجموعة من الحجج أبرزها أن التربية ليست علمًا، وأن الظواهر التربوية يسودها التشابك والتعقيد مما يجعل مجال الخطأ في دراستها كبيرًا، كما أن الواقع الميداني يثبت ضعف النظريات التربوية على التنبؤ بالسلوك الإنساني، إضافة إلى أن المعلمين في ميدان التدريس يعتمدون على معارف متفرقة دون الاستناد إلى نظرية ثابتة.
وفي ضوء ذلك فإن الأهمية الكبيرة للمنهج عبر التاريخ، تتمثل في إعداد الأفراد وتكوينهم بصورة سليمة، لذلك يجب مراجعة وتقويم مناهجنا التعليمية والاطلاع على النظريات السابقة، والاستفادة منها في عملية التطوير.

—————————————————————-
باحثة دكتوراة في الإدارة التربوية والتخطيط – جامعة أم القرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button