لستُ هنا بصدد الحديث عن الزاوية المشهورة التي كان يكتب تحت مظلتها الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- مقالاته في فترة من سني حياته، والتي جمعها فيما بعد في كتاب حمل نفس مسمى تلك الزاوية، ولا بصدد الحديث عن عنوان لفيلم خيالي، أو مسلسل تجاوزت حلقاته أيام شهر بأكمله، بل إن الأمر تخطى كل هذه الحدود وفاق كل التوقعات؛ فالعلم يشهد منذ ثلاث سنوات أزمات متلاحقة انعكست على كافة أوضاعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية، وكل ذلك في إطار التجاذبات الإقليمية والدولية بين محوري الشرق والغرب، والتي أدخلت العالم برمته في “عين العاصفة”.
ففي الوقت الذي كان العالم يلملم جراحه متعطشًا لزيادة حجم التبادلات التجارية العابرة للحدود، بعد أن فرضت جائحة كورونا وبلمح البصر فلسفتها على العالم، من خلال ذلك الجسم الخفي الذي أغلق الدول على نفسها، وفق إيقاع انتشاره وخطورته، إلا أنه صحى مرة أخرى مع بداية هذا العام الميلادي على فاجعة اقتصادية كبرى؛ وذلك بسبب الحرب الروسية الأوكرانية حيث فرضت هذه الحرب هيمنتها على العالم بأسره، وبدأت تقف معظم الدول عاجزة مكتوفة الأيدي أمام الارتفاع الهائل الذي طال أسعار الطاقة بكل أنواعها، بالإضافة إلى النقص الحاد في الغذاء ومشتقات الحبوب؛ وذلك بعد أن تفاقمت الأزمة الأوكرانية مما جعل دول الشرق الأوسط بصورة عامة ودول الخليج بصورة خاصة يتابعون بقلق شديد مجريات هذه الحرب، وما ستسفر عنه من تغييرات على العالم بأكمله، خاصة بعد فرض الدول الغربية حظرًا جزئيًا على الصادرات والواردات الروسية في سياق حزمة من العقوبات الاقتصادية والسياسية، وهو ما سيقود العالم إلى مزيد من التضخم ومزيد من التعقيدات الاقتصادية.
ومع أن اقتصاد معظم الدول الخليجية قد تجاوز مرحلة جائحة كورونا خلال العامين الماضيين بكل قوة وثبات نتيجة لتلك الجهود الجبارة التي بذلتها حكوماتها إلا أن هذا لا يعني أن المنطقة الخليجية في مأمن استراتيجي من أي تهديدات اقتصادية، فقد بات جليًا أنّ دولنا الخليجية قد شارفت على الدخول إلى عين تلك العاصفة، وأصبحت رياح الاضطرابات الاقتصادية تحرك اقتصادها، وبات من الواضح أنّ سلسلة الضغوط العالمية قد بدأت تكشف العديد من الأوراق التي تحمل بين طياتها سيناريوهات مُظلمة لا سيما مع الارتفاع الكبير الذي أصاب الأسعار مؤخرًا، والخلل الذي أصاب سلاسل التوريد الدولية بسبب الاحتكار تارة، وبسبب تراجع حركة الاستيراد والتصدير تارة أخرى.
وقد أصبحت معظم ندوات الاقتصاديين ولقاءاتهم الإعلامية تضجّ بالمخاوف والقلق من الآتي على العالم؛ حيث باتوا يتداولون أكثر من سيناريو في ظل هذا الوضع المتأزم الذي يمر به اقتصاد العالم بسبب الحرب الروسية، والتي لا أحد يعرف حتى كتابة هذه السطور متى ستضع أوزارها ؟!
ولا كيف يمكن التغلب على آثارها الاقتصادية قبل أن يحصد الجوع ما بقي على سطح الكرة الأرضية من أرواح بشرية نفذت بجلدها من جائحة كورونا التي أودت بحياة الملايين في كافة دول العالم ؟!
وخاتمة القول.. فإنه بات من الضروري أن تكون لدينا لجان متخصصة في إدارة المخاطر والأزمات الاقتصادية، ودراسة كل السيناريوهات المحتملة واتخاذ القرارات المناسبة لها، والتنبؤ بتقلبات أسعار المنتجات البترولية ومشتقاتها والحاجة الملحة لإدارة المخاطر السوقية المرتبطة بهذا النوع من المنتجات، فما تشهده السوق الخليجية والمحلية من ارتفاعات خيالية في أسعار معظم أصناف الغذاء يجعلنا نطلق صرخة مدوية تحمل في صداها أنه يجب علينا عدم الرهان على أي طرف في الحفاظ على استقرارنا الغذائي، وأن تكون خططنا المستقبلية في ظل رؤيتنا الوطنية قائمة على التحول من مجرد شعوب مستهلكة إلى شعوب صناعية منتجة خاصة إذا ما علمنا أن كل زوبعة مصيرها الانحسار، وكل رياح ستؤول إلى السكون !
وخزة قلم:
لا حياة بلا غذاء، ولا غذاء بلا اكتفاء، ومن الأزمات تتولَّد التحديات.