المقالات

الحبيب يحتاج طبيب

لدغة ودغدغة

من الأمثال المشهورة في تراثنا العربي الأصيل: “خالِفْ تُذْكَر” أو خالف تعرف؛ وهو مثل يُقال فيمن يحب لفت الأنظار إليه حتى ولو كان ذلك الأمر على حساب مكانته وسمعته. ويروى في أصل المثل أن امرأة قالت موصيةً ابنها: “إذا جلست مع القوم فإن أحسنت أن تقول كما يقولون وإلا فخالف تذكر”. وهذا بلا شك منطق غريب وسقيم يؤمن به كثير من عشاق الشهرة، فيأتي أحدهم بالطامة ليعرفه الناس أو يتذكروه. بالأمس القريب وخلال مشاركته في برنامج حواري على قناة الكويت قال الدكتور طارق الحبيب: لدي قنبلة أريد قولها.. الله لا يعيد جيلنا، ولا يعيد جيل آبائنا.. جيل الطيبين الذين تسميهم”. كانوا يدوسون على عيالهم، ومقفلين عليهم، كنا في الحارة التي نعيش فيها عبارة عن مسجد، ومزرعة، وبيت الجيران، كانوا يعيشون السلطوية في علاقاتهم“. ويبدو أن الدكتور الحبيب كان على علم بحجم التصريح الذي سيدلي به عندما قال للمذيع: “لدي قنبلة أريد قولها” فقد أغضب كلامه مختلف طوائف المجتمع الذين عبروا عن استيائهم من حديثه، وبعد سلسلة الانتقادات لتلك السقطة من مختلف طوائف المجتمع من صغار السن قبل كبارهم ومن عامة المجتمع قبل مثقفيه، حيث استهجن الجميع ذلك التصريح من شخص متعلم نشأ وترعرع في تلك الحقبة، ولم يسأل نفسه كيف وصل إلى هذه المكانة العلمية وحتى الشهرة الاجتماعية، وهو من كانت تنشئته الاجتماعية على يد ذلك الجيل، إلا أن يكون الحبيب قد تربى في تلك الفترة على يد شخص قدم من كوكب آخر من غير جيل الطيبين الذين انتقدهم. وبعد ذلك الاستهجان المجتمعي لحديثه غير المسؤول رد الحبيب في مقطع فيديو معقبًا على تصريحه ومبينًا الفروق ومقارنًا فيه بين جيل الطيبين والجيل الحالي وقال: “الفرق الأول بين الجيلين هو توفر وسائل النقل والمواصلات، قديمًا إذا فكرت تروح مكان تشيل هم؛ أما الآن لا شيء”. وأعتقد أن هذا السبب لا يبرر نقد الجيل نفسه بقدر ما يعذر الجيل الأول بسبب الظروف المعيشية القاسية التي مر بها المجتمع في ذلك الحين، وكان من المفترض عليه وعلى أقل تقدير أن يقول: الله لا يعيد الظروف المعيشية التي عاش فيها جيل الطيبين.
أما المبرر الثاني؛ فيقول الحبيب: “قالوا جيل الطيبين طلعك وطلع غيرك من الدكاترة؛ ويستطرد الحبيب بقوله: الآن فيه دكاترة أكثر”. لا أداري أيضحك المرء على مثل هذا التبرير الغبي أم يبكي. ليت الحبيب رجع للإحصائيات والأرقام كونها لغة أهل العلم والمنطق ليعرف أن التعداد السكاني الأول للمملكة كان في عام 1974م، وقد بلغ حينها (7) ملايين نسمة؛ بينما كان آخر تعداد سكاني قد تجاوز الثلاثين مليون نسمة، وبالتالي من الطبيعي أن يزيد عدد الأطباء والمهندسين والمعلمين وغيرهم من المتعلمين نظرًا للزيادة الكبيرة في عدد السكان مع زيادة نسبة الوعي المجتمعي تجاه التعليم، وبالتالي زاد عدد مؤسسات التعليم العام ومؤسسات التعليم العالي، والتي أصبحت – بفضل الله ثم بدعم القيادة الرشيدة – أضعافًا مضاعفة عما كانت عليه أيام جيل الطيبين. أما الفرق الثالث كما يراه الحبيب فهو مرونة الشخصية وقدرة الإنسان في مجتمعنا في الفترة الحالية على التكيف مع أخيه في نفس المجتمع أو غيره من المجتمعات الأخرى التي أصبحت أكبر بكثير، فقديمًا كما يقول الحبيب: “إذا كانوا يشوفوا المتدين يكش كذا ولا يحتك فيه وهو من نفس الحي ويمكن ولد عمه؛ أما الآن المسلم يشوف غير المسلم من مجتمع آخر ويبتسم وكذا”، وهذا مبرر أغبى من سابقيه كون الحالات الفردية لا يمكن تعميمها بل ويصعب إثباتها، لكن يكفي أن نقول للحبيب طارق أن في زمن جيل الطيبين كانت مرونة الشخصية أكبر بكثير مما هي عليه اليوم؛ فقد كان المنزل في زمن جيل الطيبين ربما لا يزيد عن غرفتين أو ثلاث، ومع ذلك كان يعيش فيه الأب وأولاده المتزوجين وأولادهم. بل إن في ذلك الوقت كان إذا سافر شخص بعائلته إلى إحدى المدن؛ مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض أو جدة؛ كان لا يذهب إلى فندق أو شقة مفروشة بل يتجه إلى أي شخص من أقاربه أو معارفه في تلك المدينة فيمكث في ضيافته أيام أو حتى أسابيع حتى يعود إلى مسقط رأسه.
الحقيقة لم تكن هذه هي السقطة الأولى للحبيب ولن تكون الأخيرة؛ فقد سبق وأن أعطى لنفسه الحق في تفسير أسباب زيجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أمهات المؤمنين، وهو تفسير خنفشاري؛ أقل ما يقال عنه أن فيه تجاوز وجرأة وسوء أدب مع شخص الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام، وإساءة لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن، إضافة لما قاله في قناة الرسالة عن إنسان الجنوب والشمال في المملكة، قبل عشرة أعوام، وأنهما يدينان بالولاء لدول الجوار السعودي أكثر من دولتهم. للأسف عدد غير قليل ممن اغتروا بالشهرة وعالم الأضواء في عصر الفضائيات وتعدد قنوات وسائل التواصل الاجتماعي يحاولون لفت الأنظار إليهم بين فترة وأخرى كلما شعر أحدهم بأن بريق الظهور الإعلامي والجماهيري بدأ يخفت تجاهه، فيحاول العودة إلى المشهد ولو من خلال ممارسة شكل من أشكال التنمر على جيل من الأجيال أو فئة من فئات المجتمع، ولا أعتقد أن حديث السيدة الأكاديمية التي طالبت بالتخلص من كبار السن ببعيد عن الذاكرة.

الخاتمة:
اللهم اغفر وارحم لمن رحل من الآباء والأجداد، وجازهم عنا خير الجزاء، ووفقنا اللهم لما تحب وترضى، وبارك لنا في أبنائنا ووفقهم لكل خير.

————————————
• عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. انا معك بكل تأكيد
    لكن هو معه حق برأيه ولا يحق لك انتقاده
    لنترك للناس حرياتهم فب احاديثهم والتعبير عن فكرهم ولا ندخلوفي النوايا فنخبر انه يريد ام يخالفوليعرف فهو معروف..
    اكثر منك ومني !!
    لكن لنتكلم بصدق
    تربية اهل اول لا يعلى عليها انشاتتي مهذبه ونظاميه واحترم الاكبر سنا
    لكنها صنعت مجتمع خائف ويسمونه في الكتب ابن الأب الفقير..
    الذي يربي بقيود ويحد نفسه تحت اطار ماذايريدون لا ماذا انا اريد

    والحديث يطول لكن الفكره فلندعوالناس يطرحون ولنقبل او نعبر ونترك..وفقط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى