المقالات

والنعم بالطيبين

زمن الطيبين، هو ذاك الزمان والمكان الذي عاش فيه جيل الطيبين قبل ثلاثين أو أربعين عاماً، أو أقل أو أكثر.

ليته يعود جيل الطيبين، ولا يعود زمن الطيبين، فعلاً أرجو أن لا تعود تلك الفترة الزمنية التي عاش فيها جيل الطيبين، الذي يعتبر كاتب هذه السطور واحداً منهم، أما جيل الطيبين في ذلك الوقت، هم (الآباء والأجداد والأقارب والجيران والأصدقاء) والنعم بهم، وليتهم يعودون، بما فيهم من أخطاء وسلبيات، لنضعهم تيجاناً على رؤوسنا، أما بالنسبة للزمن، فبرغم أني رجوت أن لا يعود، إلا أني إلى يومنا هذا لازلت أحن وأشتاق إلى ذلك الزمن الجميل، وتلك الأماكن والأدوات القديمة، والبساطة في الحياة، التي كانت فيها الإمكانيات والوسائل التقنية والحكومة الإلكترونية شبه معدومة أو بسيطة وبدائية، وهنا مكمن المشكلة، والشاهد في الموضوع.

إن ما أعنيه في مقالي هذا تحديداً هو الحكومة الإلكترونية لذلك أقول: (والنعم بالطيبين، والله لا يعيد الزمن) الذي كانت فيه البيروقراطية في العمل الإداري، وكانت الإجراءات والخدمات الحكومية شاقة، وبطيئة، والأنظمة معقدة، ولكن بعد أن تطورت الإجراءات والخدمات الحكومية بسبب الحكومة الإلكترونية؛ وهو نظام حديث تتبناه الحكومات باستخدام الشبكة العنكبوتية العالمية والإنترنت في ربط مؤسساتها بعضها ببعض، وربط مختلف خدماتها بالمؤسسات الخاصة والجمهور عموماً، ووضع المعلومة في متناول الأفراد وذلك لخلق علاقة شفافة تتصف بالسرعة والدقة تهدف للارتقاء بجودة الآداء، لذلك تنفس جيل الطيبين الصعداء فهم من الأجيال المخضرمة التي عانت سابقاً من صعوبات الخدمات سواءً الحكومية أو غير الحكومية، قبل الحوكمة الإلكترونية.

في زمن الطيبين، عندما كنا نريد تسديد فواتير الهاتف والكهرباء، كان ينبغي علينا مراجعة مبنى شركة الكهرباء أو الهاتف أو إحدى مكاتبها الفرعية المتوفرة في بعض الأحياء والوقوف في طابور طويل من أجل استلام الفواتير وتسديدها وبعد ذلك أتيحت فرصة السداد في البنوك ولكن أيضاً بعد الوقوف في صف طويل آخر، ومن طابور لطابور يا قلبي لا تحزن، وضاعت حياتنا في الوقوف في الطوابير الطويلة.

يا جيل الطيبين، هل تذكرون معاناتكم مع هاتف (أبو هندل) الذي كنت إذا احتجت إلى إجراء مكالمة داخل مدينتك أو حتى مع جارك القريب كان عليك أولاً التواصل مع موظف سنترال الهاتف، ليقوم بتحويلك إلى الرقم الذي ترغب الاتصال به، ثم جاء بعده جهاز هاتف (أبو قرص) والبيجر، وهواتف العملة في الشوارع، ومحلات الاتصالات، ومحلات الانترنت، وضعف شبكة النت، والشهور الطويلة التي كنت تستغرقها بين التقديم على شريحة الهاتف الجوال وبين تفعيل الخدمة، أما اليوم تفعل الخدمة قبل خروجك من مكتب الاتصالات، وهاتفك الذكي بيدك تستطيع إجراء مكالمتك مباشرة وتتصفح منه الإنترنت السريع، وتسدد فواتيرك، وتنجز منه أيضاً الوكالات والصكوك الشرعية وتطبعها، وتجدد الهوية والجواز ورخصة واستمارة ومبايعة السيارة، واستلام وتحويل الأموال من وإلى الغير، والدراسة عن بعد، وخدمات الإيميل ووسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها كثير، وفي دقائق معدودة وأنت في بيتك، أو في أي مكان داخل دولتك أو خارجها.

قبل خدمة الهاتف الجوال وخاصة الأجهزة الذكية والاتصال المرئي كان المسافرين ومنهم الطلبة المبتعثين لا يستطيعون مهاتفة أهاليهم للإطمئنان على بعضهم ولا رؤيتهم عبر برامج الاتصال المرئي المتعددة لعدم توفرها في ذاك الزمن، ولكن هذا الجيل استطاع ذلك بكل يسر وسهولة وبدون تكلفة مالية.

أذكر في عام ١٤١٤هـ عندما كنت أعمل بإحدى مدارس الطائف، كان أحد المعلمين موكل بصرف شيك رواتب جميع موظفي المدرسة، ثم يحضر المبلغ للمدرسة، ويصنف الرواتب ثم يوزعها على الموظفين، أما اليوم ولله الحمد والمنة ثم بفضل توجيهات ودعم حكومتنا الرشيدة، ومواكبة التطور التقني، أصبحنا نتلقى رسالة عبر الهاتف الجوال بنزول الراتب في حساباتنا البنكية.

الأمثلة على خدمات ذلك الزمن كثيرة ، لا يعرفها ولم يعانى منها إلا جيل الطيبين، وأكتفى بهذا القدر من الأمثلة، لعدم الإطالة في المقال، فهناك أيضاً من الخدمات الأخرى في جميع الدوائر الحكومية كالمرور والجوازات والأحوال المدنية وخطوط الطيران، والبلدية والمستشفيات، والمدارس، والبنوك، وكتابة العدل والمحاكم… الخ، التي كان جيل الطيبين يعانون فيها من الإجراءات والخدمات السلحفائية التي تقدمها تلك الجهات، التي تستهلك من الوقت والجهد والمال.

والنعم بالطيبين، وتعظيم سلام لهم، الذين تحملوا معاناة ذلك الزمن بعيداً التطور التقني، الذي فيما بعد، أثر في الارتقاء بمستوى خدمات المؤسسات الحكومية والأهلية، وهنيئاً للجيل الحالي الذي جاءه التطور التقني والسلاسة في التعامل مع الجهات الخدمية، على طبق من ذهب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى