بلحنها المتموج بين الخفة والثقل الذي يلهب المشاعر، تخترق رقصة هذا الثمانيني الحجُب فتجوب الآفق، ويتداولها الناس تاركةً خلفها دهشة؛ فيما رغبات الجسد المائج تحطّم إملاءات العمر.
لطالما كنت مغرمًا برقصة زوربا اليوناني، لست أبالغ؛ كنت أشك أن يولد لدينا #زوربا سعودي لاعتبارات عدة حتى شغفني رقص هذا المترع بالفن والكريم طروب كما يُقال.
الفنان لا يهرم ولا يُهزم مطلقًا؛ لأنه دومًا يعاقر الحياة.
هنا يكتب العجوز قصة جسد منهك يعلوه قلب جاهز للحياة، يقتفي في لحظات التماهي إيقاع قرع الطبول ويطلق العنان لساقيه؛ بل جسده كله وروحه الخفيفة ليصعد وينزل، يُسرع ويُبطئ، يسمع ويبصر، يهمس ويصرخ، بحس صوفي فريد على إيقاع موسيقى ذكية وحية ويقظة.
ما من شك أن قلب هذا الرجل المسن أصابه المس، لكنه ليس مس الجن بل مس سماوي يجعله بتحريض من هذا الشاب الأنيق الذي يُعيدنا لـ(باسيل)؛ ليصنعا لنا لحنًا بصريًا فاتنًا، كل شيء فيه مرئي وممكن وأخفّ؛ ليضع هذا الثمانيني معادلة الجسد خارج نطاق التكوين العادي وكيف تكون.
وهنا تتسع التفاصيل إلى فضاء أكبر، ثمّة ما هو أعمق من مجرد الاستجابة لإيقاع الطبول، إنه ثورة الجسد وتمرده على قسوة العمر فيما يشبه حلبة المصارعة، والصراع الداخلي هنا كفيل بصنع إيقاع الحركات الخارجية بطريقة لافتة، كما يليق بخبير تشرب تقنية الرقص.
(زوربا الجنوب) جاء وفي عينيه أفق أوسع من الكون يفيض بالوجع والفرح وإيقاع السنين، صنع منه خليطًا مجنونًا من الفرح والبهجة.
على صعيد صناعة الثقافة والفن المشهد القصير محرض، ولو وجد كاتبًا روائيًا بارعًا ينجح في استدعائه نصًا أدبيًا عظيمًا يمتلئ بحكايا المكان.
فيما هذه الرقصة لو كان لها نصيب في مخرج سينمائي متفرد يذهب بها أيقونة ملهمه تخلّد كرقصة الافتتاح، ونودع على إيقاعها مهرجانات الفن السعودي والأفلام السعودية.
هذه خبرة صعبة، بحسب ديوي ! لكننا سنجدها، وكما صنعوها هناك نحن نستطيع؛ لأن تاريخنا أعلى والنبتة في حوضها، وصناعة الفن والثقافة اليوم تعيش أزهى عصورها.