إذا قلت لك أن أشخاصاً من الجنسيات الغربية، تعودوا على ارتداء الزي العربي أو تحديداً الزي الوطني الخليجي كالثوب الأبيض والشماغ والعقال، وممسكين في أيديهم “سبح” يتجولون بها في الأسواق، فهل تصدق ذلك!؟ لا أعتقد، لأن هذا الزي ليس من عادات ولا تقاليد المجتمع الغربي.
وأنتن أخواتي وبناتي الفاضلات لو قلت لكنّ أن نساء غير مسلمات تعودن على ارتداء العباءة أو الجلباب، والطرحة والغطوة فهل تصدقن!؟ ورغم ذلك فإن غطاء الرأس عند اليهودية والنصرانية الذي تضعه النساء حسب تقاليدهم، يعتبر احتراما للتعاليم الدينية، وهذا الزي أيضاً له أهمية اجتماعية وثقافية.
وإذا قلت لك أن أناساً من الجنسيات غير العربية، من الناطقين باللغة الإنجليزية، تعودوا دائماً وبشكل يومي التحدث مع الناطقين باللغة الإنجليزية من جنسياتهم ببعض الكلمات من اللغة العربية، أتصدق!؟ والحقيقة أن عندهم في الغرب لا يتحدثون بمفردات من العربية مع بعضهم البعض، أما عندنا نحن العرب البعض يتحدث بمفردات انجليزية مع العرب؛ ظناً منه أنه بذلك سوف يبرز ثقافته، وتقدمه وتطوره، وقد وصف بوصف دقيق ورائع صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، حفظه الله، الذي يفعل ذلك بأنه “ناقص ثقافة، وناقص وطنية، وناقص غيرة”.
وإذا قلت لك أن مجموعة من الأشخاص غير المسلمين يقلدون المسلمين في معتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم العربية العريقة، النابعة من الدين الاسلامي، كالحرص والمداومة على شرب ماء زمزم والاعتقاد بما جاء في فضله في القرآن والسنة، هل كنت تصدق!؟
وإذا قلت قلت لك أن غير المسلمين يمارسون طقوس عيد الفطر وعيد الأضحى كتهنئة بعضهم البعض بالأعياد وتوزيع العيديات على الأبناء ويذبحون الأضاحي، هل تصدقني!؟ طبعاً لا، لأن تلك الأعياد ليست في دينهم ولا من عاداتهم وتقاليدهم.
وإذا قلت لك أن غير العرب يمارسون في زواجاتهم لعبة المزمار، والعرضة السعودية، ورقصة الشرح اليماني، والدبكة الشامية، والخطوة العسيرية، و يفصلون الرجال في قاعة والنساء في قاعة أخرى هل تصدق ذلك!؟
وإذا قلت لك أن من عادات غير المسلمين تقبيل رؤوس كبار السن احتراماً وتقديراً لهم وأن الأبناء يقبلون أيدي آباءهم وامهاتهم هل كنت مصدقني!؟
وإذا قلت لكم أن شخص غير عربي يقلّط (يدخل) الضيف في المقلّط (المجلس المعد للضيوف) ويقدم له القدوع “التمر”، مع القهوة العربي، والضيف يهز الفنجان، وهي دلالة أن الضيف اكتفى من قهوته، وأنه يحي ضيفه بهذه العبارات ” انطح فالك، ويرد عليه الضيف “فالك منطوح” وارحب، ويالله حيه، ومرحباً هيل عد السيل (ترحيب أهل الباحة)، ومرحبمبك، بلهجة أهل الحجاز، وتقديم المفطح، والأكلات العربية، وبخور العود للضيف، فهل سوف تصدق هذا!؟
وإذا قلت لك أن غير العرب يمارسون عادات وتقاليد القبائل العربية في الأعراس مثل عادة “العنية” أو ” الرفدة” التي يأتي بها شيخ القبيلة ومعه عدد من أفراد قبيلته عند موقع الزفاف ومعه مبلغ تم جمعه من أبناء القبيلة، ويقدمه نيابة عنهم، حيث يتم تقديم المبلغ بشكل جماعي، هل تصدق حصول هذا!؟ طبعاً لن تصدق لأن هذه ليست من عادات وتقاليد المجتمعات غير العربية أو تحديداً هذه من عادات بعض القبائل العربية، كما أن اختلاف العادات والتقاليد بين الشعوب لا ينقص من شأنهم، لأن لكل مجتمع عادات وتقاليد خاصة به، فما يعتبر من العادات والتقاليد في مجتمع ما، قد لا يعتبر من العادات والتقاليد في مجتمع آخر، وشاذ وغير مألوف.
وإذا قلت لك أن العادات هي أعراف يتوارثها الأجيال لتصبح جزءاً من عقيدتهم، وتستمر ما دامت تتعلّق بالمعتقدات على أنّها موروث ثقافي، فهي تعبير عن معتقد معين، أمّا التقاليد فهي مجموعة من قواعد السلوك التي تنتج عن اتفاق مجموعة من الأشخاص وتستمد قوتها من المجتمع، وتدلّ على الأفعال الماضية القديمة الممتدة عبر الزمن، والحِكم المتراكمة التي مرّ بها المجتمع ويتناقلها الخلف عن السلف جيلاً بعد جيل، وهي عادات اجتماعية استمرت فترات طويلة حتى أصبحت تقليداً، ويتم اقتباسها من الماضي إلى الحاضر ثمّ إلى المستقبل، فهي بمثابة نظام داخلي لمجتمع معين، وأني قبل أيام قليلة ((وهنا مربط الفرس والغاية من هذا المقال)) شاهدت مقطع فيديو متداول في وسائل التواصل الاجتماعي -قد أثار دهشتي- يصور خمسة مشاهد متفرقة لشباب مسلمين عرب ويبدو من هيئاتهم بأنهم من أبناء الخليج وهم يجوبون الشوارع بصحبة كلابهم المربوطة بحبل المقود، ويتنزهون معها، رغم أن اقتناء الكلب حرام فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: “من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو ماشية أو زرع فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان” . فهل تصدقون ما قلته لكم عن مقطع هذا الفيديو !؟ وهل سلوك اقتياد واصطحاب الكلب والطواف به في الأسواق والطرقات من قبل المسلمين يعتبر من الأعراف التي توارثها الأجيال جيل بعد جيل، فلا أذكر أن جيل الطيبين كانوا يقتنون الكلاب ويتجولون بها في الطرقات، فلماذا أنتم أبناء هذا الجيل تفعلون ذلك!؟ وهو معصية لله ورسوله، وليس من عادات وتقاليد المجتمعات العربية، وهل ترغبون أن ينقص من أجركم كل يوم قيراطان!؟
تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ
هَذا مَحالٌ في القِياسِ بَديعُ
لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لَأَطَعتَهُ
إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ
في كُلِّ يَومٍ يَبتَديكَ بِنِعمَةٍ
مِنهُ وَأَنتَ لِشُكرِ ذاكَ مُضيعُ
الإمام الشافعي
إن الانفتاح الثقافي على العالم والتقدم والتطور لا يكون باقتباس ولا بتشرب العادات والتقاليد الخاصة بالمجتمعات الأخرى، ولا سيما التي تتنافى مع الدين الإسلامي، فلكل مجتمع خصوصية (دين وهوية وثقافة وحضارة) يفخر ويعتز بها، وهي مصدر قوة للفرد في المجتمع.