جاء تأسيس الدولة الأموية مباشرة بعد مقتل الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وعلى الرغم من أنَّ الناس في الكوفة (العراق) كانوا قد بايعوا ابنه الحسن بعد هذه الحادثة ليكون أمير المؤمنين، إلا أنَّ أهل الشام من الموجودين في بيت المقدس كان لهم رأي آخر؛ إذ اختاروا أن يبايعوا معاوية بن أبي سفيان ليكون هو خليفة المسلمين، ومُنح لقب أمير المؤمنين.
دخل معاوية مدينة الكوفة وبايعه كلٌّ من الحسن والحسين ابنا الإمام علي وسمي هذا العام بعام الجماعة نسبة لاجتماع الأمة على خليفة واحد وكان في 41هـ، باستثناء طائفة واحدة لم تبايعه هم (الخوارج)؛ وبذلك تم تأسيس الدولة الأموية.
كان نظام الحكم في الدولة الأموية مختلفًا تمامًا عمَّا كان سائدًا عليه الحال في العهد السابق (عهد الخلفاء الراشدين)، إذ أضفى الخليفة معاوية ومن تبعه من خلفاء الدولة الأموية صفة الملك على الحاكم، متأثرًا بما كان الحال عليه في الدولة الرومانية، والبيزنطية؛ حيث جعل الحكم يقتصر على سلالة أسرة واحدة.
حلَّت الكارثة التي لا نزال نُعاني منها بمقتل سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وكانت فاجعةً كبرى أذهلت المسلمين على يد اللئام وعلى رأسهم شمر بن ذي الجوشن، وهو من بني كلاب من هوازن، وأحد كبرائهم في الكوفة.. كل ذلك بإيعاز من الخليفة المشؤوم على العرب يزيد بن معاوية، والذي خيره بين إحدى ثلاث: إما أن يأتي ليبايع، آو يعود من حيث أتى، أو القتال ولكن الحسين بن علي -رضي الله عنه- رفض إلا القتال، وانتهت بمصرعه.
توالى بعد ذلك ولاة وخلفاء طغاة، لعل أبرزهم: الحجاج بن يوسف الثقفي، زمن الخليفة الطاغية عبد الملك بن مروان. وعقِبه في ذلك حبار بني أمية كما كان يطلق عليه الوليد بن عبد الملك. لكن هناك خليفة حاول استدراك الأمر لاحقًا ألا وهو الخليفة الزاهد: عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-، والذي كان يُلقب بالخليفة الخامس، حيث قام برد المظالم إلى أهلها.. وهو ما جعل الأمويين يضمرون الشر له، ولم تدم خلافته كثيرًا قرابة سنتين وخمسة أشهر، وقيل: إنه مات مسمومًا.
ضاق الناس ذرعًا بظلم بني أمية، لما يرونه من استئثارهم بالمال، والسلطان، وجميع الحقوق، ومن سواهم يعيش في همٍ وذُلٍ ونكد.
يُلاحظ هكذا حال الظلمة، إذا استوى لهم السلطان والملك، جعلوا من شعوبهم عبيدًا مسخرين، ولكن تشاء قدرة الله، بأولئك الظلمة أن يُسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب. فلقد أتت الثورة العباسية، وهي إحدى أشد الثورات تنظيمًا في التاريخ، وقد احتاج إعدادها إلى سنين طويلة من التخطيط البعيد والتآمر على الخلافة.
ولتنفيذها قام العباسيون بمجازر رهيبة لم يعرفها العرب في كل تاريخهم إلى هذا اليوم، إلا ما حصل من قبل التتار.
وقام قائد ثورتهم الذي لقب نفسه بأبي مسلم الخراساني، بإبادة جماعية لأكثر من ستمائة ألف نفس مسلمة (في أقل رواية، وفي رواية أصح: مليوني مسلم) في سبيل قيام دولة بني العباس.
أصبحت دولة بني أمية أثرًا بعد عين لسوء فعلهم، وسوء سريرتهم في البلاد، وفعلًا كما قيل: دولةً كافرة تُقيم العدل، خيرًا من دولةً مسلمة يُقام بها الجور، والظلم. وكما يقول جان جاك روسو، صاحب كتاب العقد الاجتماعي، والممهد للثورة الفرنسية، وهو له الفضل في ظهور مبادئ حقوق الإنسان في عصرنا الحالي: حين أري الظلم في هذا العالم.. أسلي نفسي دومًا بالتفكير في أن هناك جهنمًا تنتظرهم.
تلك نهاية الظلم حقًا.
المصيبة ليس في ظلم الأشرار بل في صمت الأخيار “مارتن لوثر كينج”، والظالم حين يظلم لا يأخذ حق غيره فقط، بل يُغري غيره من الأقوياء على أخذ حقوق الضعفاء وظلمهم، وإذا انتشر الظلم في مجتمع تأتي معه البطالة وتتعطّل حركة الحياة كلها.
-محلل سياسي، ومختص في العلاقات التاريخية بين الدول-
0