مصباح علاء الدين أسطورة من الأساطير الشعبية التي لاكتها الألسن على مدى عقود من الزمان؛ لأن في طابعها الأسطوري تحقيقًا للأحلام حتى وإن كانت مجرد هواجيس وأوهام، فلكل شخص منا أمنيات وأحلام يسعى إليها ويحاول أن يُحققها قبل أن يغادر هذه الحياة، وأمام هذا الكم الهائل من الهواجيس والأمنيات أغمضت عينيّ، ودخلت في دائرة اللا وعي، ووقعت تحت سطوة عقلي الباطن الذي بدأ يطرح أسئلة تشعر؛ وكأنها من وحي الخيال محتواها: ماذا لو وجد المعلمون والمعلمات مصباح علاء الدين فجأة أمامهم؟! وماذا لو أيقظوا ذلك المارد الذي بداخله؟! وما هي أهم أمانيهم التي سيسعون في طلبها من مارد المصباح الأسطوري؟!
ومع هذا النوع من الأسئلة الغربية والعجيبة، وقبل أن أبدأ في البحث عن إجابات لها تبادر إلى ذهني العشرات من الأمنيات والرغبات التي يتردد صداها بشكل يومي في معظم الحوارات واللقاءات التي تطرح في مجالس المعلمين والمعلمات، والتي عادة ما تنتهي بقناعة تامة بأن تحقيق أمانيهم أصبح من المستحيلات التي ربما يعجز عن حلها حتى مارد مصباح علاء الدين، وقد وجدت بعد التمحيص والتدقيق في تلك الرغبات والأمنيات أن من أهمها وأعظمها الحصول على علاج مجاني من خلال بناء مستشفيات خاصة بالمعلمين والمعلمات تضاهي تلك المستشفيات التي بُنيت لخدمة أفراد القطاعات العسكرية وأسرهم أو حتى الحصول على خدمات العلاج المجاني في المستشفيات والمراكز الخاصة الكبرى أسوة بما يحصل عليه العاملون في المؤسسات والشركات في القطاع الخاص، فقد بحت أصوات المعلمين وجفت أحبار أقلامهم، وهم يطالبون بهذه الخدمات منذ سنوات طويلة دون أن يجدوا لتلك المطالبات أي صدى في أروقة وزارتهم التي تعي وتدرك جيدًا أن مهنة التعليم هي الأكثر خلدًا في تاريخ البشرية، وأنها مهنة الأنبياء -عليهم السلام-؛ لأنها تتعامل بشكل أساسي مع العقل الإنساني، الذي يُعتبر أشرف وأكبر النعم التي وهبها الله للبشر.
وعطفًا على ذي بدأ؛ فإن من الأمور التي تُشعر مجتمعات التعليم بالإحباط واليأس من وزارتهم ما يلاحظونه بين الفينة والأخرى من صدور قرارات تحفيزية من كافة الوزارات الأخرى التي تتبع لها معظم القطاعات العسكرية والمدنية في سبيل راحة العاملين بها، وتذليل كل الصعوبات التي يواجهونها في حياتهم العملية، وسن العديد من القوانين التي تقوم على حمايتهم في أماكن عملهم، وما قرار مجلس الوزراء الذي صدر مؤخرًا، والقاضي بمساواة رجال أمننا البواسل في مختلف قطاعاتهم الأمنية والعسكرية في نظام الإجازات مع القطاعات التي تقبع تحت مظلة وزارة الخدمة المدنية إلا واحدًا من تلك القرارات التي تهدف إلى خلق بيئة عمل صحية وجاذبة، وهو ما سينعكس عليهم إيجابًا في التفاني والإخلاص في عملهم خاصة إذا ما علمنا أن ولاة أمرنا -حفظهم الله- ورعاهم يسعون جاهدين إلى تحقيق طموحات كل العاملين في الدولة، وتذليل كافة الصعوبات التي تواجههم؛ وذلك بتهيئة كل ما من شأنه راحتهم في كل شؤون حياتهم.
وقد تذكَّرت هنا والشيء بالشيء يذكر بعض المزايا “الخجولة” التي قدمتها وزارة التعليم لمنسوبيها في يوم المعلم العالمي قبل عدة سنوات وذلك بإعلان باقة متواضعة جدًا من الخصومات على بعض خدمات الطيران، والخدمات الصحية، والاتصالات، وكذلك إطلاق خدمة التأمين الطبي للمعلمين والمعلمات، من قبل شركة يتيمة لم ترقَ إلى ما كان يطمح إليه منسوبو الوزارة بعد انتظار دام سنوات طويلة لتلك الخدمات؛ وذلك نظرًا لارتفاع قيمة الاشتراك السنوي وعدم تغطية عقودها التأمينية لكافة التخصصات الطبية مما جعل نسبة الاشتراك في هذه الخدمات قليلة حتى إنه لم يعد لها ذكر في الأوساط التعليمية وأصبح لسان حال المعلمين يقول: ألا ليت شوقي يبعث من مرقده ليرى كيف أصبح حالنا في هذا الزمان!
وفي مجمل القول؛ فإن إسقاط أسطورة مصباح علاء الدين على واقع المعلمين والمعلمات، ليس من باب التندر ولا حبًا في الخروج عن المألوف، وإنما بسبب خيبات الأمل التي أصابتهم ويقينهم الكامل بأن تحقيق أحلامهم بات أمرًا مستحيلًا حيث أصبحوا في كل ليلة يترقبون خروج مارد علاء الدين؛ ليحل لهم تلك العقبات التي وضعت في طريقهم العملي، والتي بدورها وقفت حائلًا أمام تحقيق أمنياتهم طوال مشوارهم التعليمي مع إيمانهم الكامل بأن المصباح السحري ما هو إلا أسطورة خرافية يعيش لحظاتها الذين تبخرت أحلامهم؛ وكأنه تلك القشة التي يتعلق بها الغريق !
وخزة قلم:
المارد الحقيقي القادر على تحقيق أحلام كافة المعلمين، هي جرة قلم من مسؤول يرى أنهم يستحقون ما يقدم لهم.