يزدان الطائف بحدائق الورود، فهما ممتزجان لا ينفصلان، الورد رمز العشاق، والطائف نزهة المشتاق، فالطائف منذ القدم عُرف بتضاريسه الخصبة, ومياهه الوفيرة. فاستحق أن يتوّج بفردوس الجزيرة، ولؤلؤة السياحة، عاشقة الغيم والديمة، مدينة الورد الفكري، المكثفة بعبق التاريخ، المضيئة في جبين الزمن، وصدر الإبداع وخاصرة الحضارة.
فحدودها تاريخ، وحضارة، وفن، وتراث، أما معالمها، فجمال وسحر وفتنة وروعة؛ فالطائف سيدة الورد، وشقيقة البرد، يرتشفون من كوثر مفاتنها، رضاب سحائبها الممطرة، مستلذين بين أهداب جمالها، وأحداق حدائقها وزادها جذبًا، التصاقها بقداسة المكان، وافتخارها أنها بوابة مكة وبستانها.
لها آثار تستنبت الأساطير وروايات تنقش صورتها المكثفة، ووصفت بأنها متوشحة عباءة الثقافة، وقلادة النغم، ومحراب المسرح، المنتجة لمعالم الأدب، العازفة بقيثارتها، ملحمة الشعر، وسمفونية الحكمة، فهي متكاملة السمات، محددة المعالم واضحة الصورة، تعتزُّ بالاستقلال لشخصيتها المتميزة، لها نكهة خاصة، تضافر على صنعها التاريخ والجغرافيا، وما يتفرع عنهما من لواحق الزمان.
فالطائف نمت بها أولى ملامح التاريخ القديم الممتزجة بحضارات الأمم السابقة المنفردة بمعالم ثقافية كسوق عكاظ لكنها تألقت وتأنقت؛ فاشتهرت بإنتاج رضاب الورد، ووجناته حضارة وأناقة الشعوب تقيم على أساس ما تستهلكه وتهديه من الورود؛ لذلك ترنم بذكره الأدباء والشعراء والعشاق، فالشاعر الظريف ابن سكرة ينبض بنص:
للورد عندي محل لأنه لا يمل .. كل الرياحين جند، وهو الأمير الأجل.
فالورد، لغة يتداولها جميع البشر في العالم لا تحتاج لمترجم، تشكل عالمًا قائمًا في ذاته هي الطبيعة الصامتة النابضة بكل ألوان الحياة، ألوان مضيئة تعكس التفاؤل العميق, والفرح بالحياة، فالوردة كم أذابت الفوارق, ومسحت الدموع، وخففت من معاناة الآلام، وقسوة الظروف.
فعوالمها المتلونة تنطق بأناقة المشاعر، تهذب النفس وترطب الروح.
وأن للورد قدرة عجيبة على تهدئة الإنسان عند إصابته بالغضب والعصبية والانزعاج، ليس فقط بمنظره الجميل بل برائحته الفواحة.
ومن بين حدائق الزهور، فالورود تعتلي العروش في مملكة المحبين، وتروي حدائق الحب، وبها تثمر شجرة الوفاء، الورود سفيرة، الحب, والود, والألفة, والفرح, بين البشر، وترسم ملامح الابتسامة وترتقي بالأحاسيس.
فالورد هو الحياة، والروح, والكبرياء، والجمال, والحب, والذكاء, والأنوثة، والحنان، والتواضع.
اجتمعت الآراء, على أن الورود البيضاء ترمز لصفاء القلب، والصفراء ترمز للغيرة، والحمراء ترمز للحب, والبنفسجي على الوفاء، والزرقاء إلى الثبات، والبرتقالية إلى الصداقة.
وأجمل ما قيل في صفة الورد، ومحله من قلوب ذوي الوجد، اعلم أن أهل الظرف قد أكثروا من تفصيل الورد، وقد أطنبوا فيه، وأفرطوا في نعت حسنه، واشتهوا رائحته، حتى شبهوه بالوجنات الحمر، وقايسوه إلى الخمر، ومثلوه بالأشياء الملاح، كفعلهم بالتفاح، وهما عندهم في مرتبة واحدة.
واستشهد بنص ظريف من كتب التراث:
إن (فاتنة لبيبة) أهدت إلى خطيبها، رمان أحمر قاني،
فاستدعت ذاكرته قول الشاعر:
أهدت إليه بظرفها رمانا
تنبيه أن وصالها قد آنا
قال الفتى لما رآه تفاؤلا
وصل يكون متمما أحيانا
رم يرم تشعثي بوصالها
لقد التفاؤل صادقا قد كانا
فأهدى لها باقة ورد حمراء،
فتمثلت بقول الشاعر:
أهدى لها وردا فأخبر أنه .. في الواردين ولم يكن ورادا
فأرتاح من فرح يطيب وفوده.. وعدا له ورد الحياء فزادا
وقال العباس بن الأحنف:
أبغض الآس والخلاف جميعا.. لمكان الخلاف واليأس منها
وأحب التفاح والورد حتى.. لو وزنتيه بالجبال وزنها
أشبها ريقها ونكهة فيها،… فهما يبئان بالطيب عنها
وأبدع الظريف اللطيف بقوله:
عشية حياني بورد، كأنه خدود.. أضيفت بعضهن إلى بعض
وولى فعل الخمر في حركاته.. فعال نسيم الريح بالغصن
وآجاد صاحب الإحساس أبا نواس:
الورد يضحك والأوتار تصطخب.. والناي يندب أحيانا وينتحب
وقال عاشق الورد:
يضحك الورد إلى ورد بخديك مقيم .. جمعا شكلين وفقين لألحاظ النديم
وأشاد به وأجد:
سيعلم الورد أني غير ذاكره .. إذا الخدود أعارت حسنها بصري
كم بين ورد مقيم في أماكنه.. وبين ورد قليل المكث في الشجر
هذا جني مصون في منابته.. وذاك ممتهن في كل محتضر
وقال ابن طاهر:
مرت وفي كفها ورد فقلت لها .. حيي محبك ! قالت: عنه لي شغل
فقلت: بخلا، فقالت: قد وهبت له… وردا جنيا، وذا بالكف يبتذل
إن كان لم يجنه منه أنامله،… فقد جنته له الألحاظ والمقل
واختم بنص مورد:
تمتع من الورد القليل بقاؤه
فإنك لم يفجعك إلا فناؤه
وودعه بالتقبيل والشم والبكا
وداع حبيب بعد حول لقاؤه
انت يشهد الله يادكتور عبق وشذى الورد وكما النحله التي تستشف رحيقها من الورد فيستشف الطائف من عبق وحلو منطوقك الراقي فيا سعد الطائف بك وبعشقك له ومهما سطرنا فلن نوفيك ما تستحق
الطائف يعرف بالمأنوس ، مأنوس بأهله الكرماء العظماء ، بالفكر والثقافة والأنس ، المأنوس بطبيعته وجماله ، بزهره وورده الفواح ، وقد أجاد سعادة البروفيسور عايض الزهراني ، بما فاضت به قريحته عن الطائف المأنوس ، بما وصف به هذه المدينة الجميلة التي حازت على إعجاب كل من زارها أو قرأ عنها أو سمع بوصفها ، إنها مصيف المملكة العربية السعودية ، وعاصمتها الصيفية ، تحياتي وتقديري لسعادة البروفيسور عايض .