المقالات

اليوم العالمي لمكافحة المخدرات

يوم ٢٦ يونيو يوافق اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، وفي هذه السنة ٢٠٢٢م يوافق يوم الأحد ٢٧ ذو القعدة لعام ١٤٤٣هـ، وبهذه المناسبة أضع بين يدي القاريء الكريم هذا المقال.

تأتيني استشارات عديدة من أسر متعاطي المخدرات عن كيفية إقناعه بمراجعة المستشفى لتلقي العلاج والتخلص من هذه السموم والارتياح منها، فالأسرة تعاني من الهموم والمشاكل التي قد يتعرضون لها كالعنف وربما القتل، فهذه المؤثرات العقلية تجعل مستخدمها يفقد عقله وتصدر منه أفعالاً غير سوية عندما يكون فاقداً لوعيه وسيدرك ما فعله بعد أن يعود إلى وعيه ولكن بعد فوات الأوان، وقد روي في قصة المرأة التي خيرت العابد اليهودي إما أن يزني معها أو يقتل الطفل الذي معها أو يشرب الخمر، ففضل شرب الخمر فشربها، فقتل الطفل، وزنى بالمرأة.

إن أغلب مستخدمي هذه المواد المدمرة، إن لم يكن جميعهم، يرغبون في التخلص من المخدرات بعد أن دمرت حياتهم وجعلتهم أسرى لها، لكي يعودوا لحياتهم الطبيعية الجميلة التي كانت من قبل أن يدخلوا في هذا الطريق الشائك والمظلم، وهم يعتبرون أنفسهم في “ورطة” وينتظرون اليوم الذي يتخلصون فيه من هذا الأسر، فإن هذه الرغبة، لم تكن مجرد تخمين مني ولكن نتيجة معايشة لهذه الفئة الغالية لعدة سنوات، وتعبير منهم عن شعورهم عن ذلك لنا كمعالجين، وفعلاً استطاع البعض بالعزيمة والإرادة، الإقلاع نهائياً عن هذه المدمرات التي تدمر: (الدين والعقل والنفس والعرض والمال) وهي الضرورات الخمس التي حثنا الإسلام على المحافظة عليها.

وأنت أيها المبتلى بمدمن في بيتك، هل تعلم أن وقوفك ودعمك له، سيكون محل تقدير منه ولكن كيف؟ فإن أول ما أنصحك به هو عدم الدخول معه في مشاحنة وصراع وانفعال من أجل إقناعه بالعلاج فهذا الأسلوب لن يحل المشكلة وقد تكون نتيجته سلبية وعواقبه وخيمة، فكل ما عليك هو أن تتعامل معه بالبشاشة والحب والاحترام والتقدير، وتشعره بأنك شريك له في المشكلة وهدفك مساعدته، وكذلك ذكره بنفسه قبل أن يدخل في وحل المخدرات، وكيف كان حاله عندما كان مرتاحاً بدونها، وكيف أصبح في الوقت الحالي، وعليك أن تعلم أن عملية الإقناع ليست سهلة وتحتاج وقتاً وصبراً، للحصول على نتيجة إيجابية.

أما في حال كان المدمن متهيج، ولم تستطيع الأسرة السيطرة عليه، وكانت حالته تشكل خطورة على الأسرة، ولم تجدِ معه محاولات إقناعه بالعلاج، فبإمكان الأسرة “بذكاء” تحقيق طلباته لتهدئته وامتصاص غضبه وللسيطرة على الوضع قبل أن يتمادى ويرتكب جريمة شنعاء، أو استدعاء الشرطة له لإنقاذ الموقف وليتم نقله فوراً إلى المستشفى لتلقي العلاج ومن ثم الشفاء، وحفاظاً على سلامة روحه وأرواح أفراد الأسرة وحمايتهم، فقد يكون تحت تأثير المخدر أو متأثراً من الأعراض الانسحابية وهي (الآلام الشديدة الناتجة عن انقطاع المدمن عن المخدر) فقد يقتل والديه أو أبنائه أو زوجته أو إخوته وأخواته أو بعضهم وربما جميعهم، وكذلك حماية المدمن من إيذاء نفسه أو الأسرة ومنعه من إزهاق الأرواح التي تجعله يتجرع مرارة الندم طوال حياته وينال عقوبة السجن والقتل قصاصاً.

ذكر لي بعض الأسر بأنهم قد عانوا مع أبنائهم في البداية من أجل إقناعهم بالعلاج، ولكن بعد فترة اقتنعوا وراجعوا معهم الطبيب النفسي ومعالج الإدمان وكتب لهم العلاج المناسب لحالتهم واستخدموه بانتظام في البيت، وهم الآن متوقفين عن تعاطي هذه السموم .

الإشكالية أن البعض يراجع الطبيب النفسي ويصرف له أدوية علاج الإدمان ويستخدمها لفترة ولكن دون أن يشعر بتحسن، فيتوقف عنها من تلقاء نفسه، فتنتكس حالته، وكان من الأفضل في مثل هذه الحالة، مراجعة الطبيب النفسي لتغيير العلاج له لما يناسب حالته فالأدوية النفسية منها أنواعاً كثيرة، فالعلاج الذي يناسب زيد قد لا يناسب عمرو، وعليه الاستمرار في مراجعة الطبيب النفسي إلى أن يستقر على العلاج المناسب لحالته، وضرورة اتباع تعليمات الطبيب، ورسالتي أوجهها للبعض من الأطباء النفسيين في القطاع الخاص، فأقول لهم قد تعلمون أن علاج الإدمان ليس بالعقاقير فحسب، بل هو علاج يتطلب عدة مراحل بداية من المرحلة الأولى وهي العلاج بالعقاقير لإزالة السميات من الدم، ثم المراحل التالية فحتى يكون العلاج شامل ومتكامل لابد أن يكون علاج نفسي وسلوكي واجتماعي وديني، ورياضي وترفيهي وتأهيلي، فلا تنسَ زميلي الطبيب النفسي، أن تتحدث مع المريض وتتطرق لذلك، فالعلاج الواحد علاج ناقص وأما العلاج المتكامل، يعتبر برنامج علاجي شامل، ونتائجه فعالة، فمثلاً شغل أوقات الفراغ بنشاط أو هواية مفيدة أو عمل، يضيّق مساحة تعاطي المخدرات على الشخص.

والإشكالية الأخرى هي أن البعض لا يتوقف عن الدواء الموصوف له من قبل طبيب علاج الإدمان، ولكنه يسيء استخدامه كأن يزيد أو ينقص في الجرعة أو الكمية أو لا ينتظم في تناول العلاج في مواعيده ويهمل في مراجعة الطبيب فهذا أيضاً يعرض نفسه للإنتكاسة.

من خلال عملي في مصحة علاج الإدمان لسنوات طويلة واحتكاكي المباشر بعملاء المصحة سواءً مراجعي العيادات الخارجية أو النزلاء أو أسرهم، اكتشفنا نحن كمعالجين أن المرضى الذين يراجعون المصحة لتلقي العلاج برغبتهم يستفيدون من البرنامج العلاجي ويقلعون عن المخدرات وفي المقابل لاحظنا أن المرضى المجبرين على العلاج سواءً من أسرهم أو المبلغ عنهم أو المقبوض عليهم، أغلبهم ينتكسون ويعودون مرات عديدة للمخدرات وبالرغم من ذلك فإن البعض من هؤلاء المغصوبين على العلاج، اعترفوا لنا أنهم تأثروا واستفادوا من البرنامج العلاجي وتمنوا لو أنهم راجعوا المصحة سابقًا .

إن إقناع المدمن بالعلاج في الأول والأخير هو من مسؤولية الأسرة بل والأفضل فليس هناك أفضل من الأب أو الأم أو الأخت أو الأخ أو القريب، الذي يحاول إقناعه بالعلاج أولاً لدرجة قرابته وكونه أكثر شخص يحرص على مصلحته وهو له ناصح أمين، ولكن شريطة أن تكون علاقتهما إيجابية ببعضهما، لتسهل عملية الإقناع بإذن الله، لذلك وكما وصلني من بعض الأسر، بأن (نبراس) التي تعتبر كجهة مسؤولة عن الوقاية من المخدرات، وعلاج مدمني المخدرات وتقديم النصائح والاستشارات للأسر وخدمة الأسرة التي بها شخص مدمن، حتى يتم شفاءه بشكل تام، يقدمون الإرشاد للأسر الذين يلجأون لطلب المساعدة من نبراس من أجل إقناع المدمن بالعلاج ويرشدونهم إلى أن مسؤولية إقناعه بالعلاج تقع على عاتق الأسرة فحسب ثم بعد ذلك تقع على عاتق نبراس مسؤولية العلاج، ولا شك أن نبراس كجهة اعتبارية أحسنت صنعاً عندما أولت الأسرة هذه المهمة كدور من الأدوار المنوطة بالأسرة، ورغم ذلك فإن بعض الأسر تستعصى عليهم عملية ترغيب المدمن في العلاج لذلك هم يلجأون لتلقي المساعدة من المختصين.

وبناءً على معاناة الأسر التي تأتيني منهم الاستشارات حول طلب مساعدتهم وإرشادهم بكيفية تحبيب مدمن المخدرات في العلاج وبمراجعة المستشفى، فإني أوصي باستحداث برنامج للرعاية المنزلية أو الطب المنزلي في مجمعات إرادة للصحة النفسية وعلاج الإدمان وذلك على غرار برنامج الطب المنزلي أو الرعاية المنزلية في المستشفيات العامة الحكومية، وذلك لهدفين، فالهدف الأول: هو قيام فريق علاجي من المستشفى بزيارة للمريض الرافض للعلاج في بيته بقصد تقييم حالته الصحية والنفسية والاجتماعية وتقديم العلاج له والتدخل الاجتماعي المناسب له، والهدف الآخر هو القيام بزيارته في المنزل كما هو الحاصل في المستشفيات الحكومية العامة بغرض متابعة حالته الصحية ومدى التزامه بالعلاج والاستفادة منه ولتأمين العلاج له، وكذلك فإن برنامج الرعاية المنزلية سوف يرضي المرضى غير الراغبين في التنويم بالمستشفى، وكذلك سوف يساعد الأسر الذين يعانون من إقناع مرضاهم بالعلاج، ومن جانب آخر سوف يخفف من ضغط تنويم المرضى في مستشفيات علاج الإدمان.

قال رَسُولَ اللَّهِ ﷺ : مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ.

Related Articles

One Comment

  1. إن إقناع المدمن بالعلاج في الأول والأخير هو من مسؤولية الأسرة بل والأفضل فليس هناك أفضل من الأب أو الأم أو الأخت أو الأخ أو القريب، الذي يحاول إقناعه بالعلاج أولاً لدرجة قرابته وكونه أكثر شخص يحرص على مصلحته وهو له ناصح أمين، ولكن شريطة أن تكون علاقتهما إيجابية ببعضهما، لتسهل عملية الإقناع بإذن الله، لذلك وكما وصلني من بعض الأسر، بأن (نبراس) التي تعتبر كجهة مسؤولة عن الوقاية من المخدرات، وعلاج مدمني المخدرات وتقديم النصائح والاستشارات للأسر وخدمة الأسرة التي بها شخص مدمن، حتى يتم شفاءه…
    ماشاء الله عليك أبا حسن إبداع…شكرآ لكم ايها المستشار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button