كم كانت تساورني الأحلام لزيارة متحف الديرة وللوصول إليه، وقد تشرفت بزيارة هذا المعلم السياحي في محافظة المندق يوم الأربعاء ٢٣/١١/١٤٤٣هـ، والذي يزوره الكثير من الزائرين والمصطافين من داخل المنطقة وخارجها في محافظة المندق بمنطقة الباحة، ورأيت أن هذه المحافظة تزخر بالعديد من المواقع الأثرية كالقلاع وبعض الجبال والأودية التي توجد على ضفاف هذه المحافظة قديمًا وحديثًا، والتي تتربع على مرتفعات جبال السراة؛ حيث وجود بعض المعالم السياحية الحديثة والمجهزة كالحدائق والمنتزهات والسدود المتعددة.
وقد قمت بزيارة هذا المتحف، وليس من سمع كمن رأى؛ فقد رأيت بأم عيني هذا المعلم السياحي (متحف الديرة) لصاحبه الأخ سالم بن مرضي بن جمعان الخزمري الزهراني ذو الكلمة الصادقة والوجه البشوش، وصاحب القلب الطيب، لين الجانب كريم الأخلاق، والتعامل الحسن مع من يعرف، ومن لم يعرف وهو من قرية السرفة التابعة لقبيلة بالخزمر جل وقته جالسًا بالمتحف ومشرفًا عليه في استقبال الزائرين بكل الود وابتسامة لا تفارق محياه مما يجعل كل من قابله لا يريد مفارقته، رجل معتز بشهامته وأصالته وكرمه العربي وحبه لوطنه، ومشاركته في كل المناسبات الوطنية بمنطقة الباحة، يبلغ من العمر سبعين عامًا ويتمتع بروح الشباب.
الموقع:
يقع هذا المعلم السياحي بقرية السرفة من قبيلة بالخزمر في محافظة المندق بزهران جنوب مدينة المندق على بعد عشرة كيلومتر تقريبًا على يمين الطريق السياحي النازل إلى المندق.
وقد قابلت صاحب المتحف، ورحَّب بي أجمل ترحيب ثم أطلعني على الموقع الذي يتألف من ثلاثة مباني شعبية قديمة، تقع هذه المباني الشعبية على سفح جبل، ويشرف على مزرعته الممتلئة بالأشجار المثمرة، والتي تحتوي على العديد من الثمار، ومن أهمها: العنب والخوخ والتفاح والكمثرى والحبش، وقد جعل ما يجنى من ثمار هذه المزرعة صدقة له ولوالديه لكل من يصل إليه قاصدًا الزيارة كما يوجد بها أشجار أخرى كاللوز والزيتون العتم والطلح كما يوجد بها بئر مطوي قديم يتراوح قطره ما بين مترين إلى ثلاثة أمتار تقريبًا، وكان مسقى لمزرعته منذ القدم وقدتم تغطيته حتى لا يقع فيه أحد واتباعًا لنظام وزارة الزراعة والمياه، وقد عمل بها شلال صناعي في المدرجات الزراعية مما أضفى جمالًا عليها ومتعة تسر بها عين الزائرين للمتحف مما أكسبها جمالًا زيادة المسطح الخضري الذي يمتد من المزرعة إلى حيث مدخل المتحف القديم.
وأعود إلى مقتنيات المتحف، وسألته عن كيفية التأسيس والاقتناء للأدوات التراثية القديمة؛ فأجابني بأنه منذ الصغر كان لديه هواية جمع الآثار والمقتنيات القديمة؛ فحرصت على جمعها مع قلة السيولة.
وذكر أنه كان يعمل موظفًا حكوميًا في إحدى القطاعات العسكرية في تبوك، وجلس بها مدة حتى أُحيل إلى التقاعد ورجوعه إلى حيث مسقط رأسه قرية السرفة ببلاد زهران، وقال منذ رجعت وأنا أحاول أن ألملم هذه المقتنيات، وأضع لها مكانًا في أحد الأماكن القريبة التي أمتلكها بالقرب من الطريق السياحي؛ فعرضت الفكرة على الأبناء وبعض الأصدقاء وبعض المسؤولين بمحافظة المندق؛ فرحبوا بالفكرة وأيدوها، وقدموا لي الخدمات التي تعينني على جعله متحفًا عامًا يقصده السائحون والزائرون والمصطافون إلى هذه المحافظة الجميلة من ربوع بلادي، والتي تعد من أهم محافظات منطقة الباحة التي تتمتع بجمال الجو المعتدل صيفًا وجمال الطبيعة، والتي يقصدها الزائرون والمصطافون كل عام.
وعند وصولي الموقع وجدت المكان يتكون من مزرعة، ومن جلسات جانبية، ومن مطبخ خاص بالملحق ودورات مياه، ومن غرفة المتحف التراثي يعلوها بهو به جلسة بها مجموعة من الأسرة يتسع لأكثر من مائة زائر يطل على ما حوله من مزارع وبعض المباني، وعلى الطريق السياحي، وهذا البهو (التكية) مغطى بمظلة رائعة من أجمل الصنع تقي من الأمطار ومن الشمس كما يوجد مجلس شعبي تراثي معروض فيه بعض المقتنيات أما القسم الثالث من المتحف يحتوي على العديد من الأصناف التي لم يتسع المكان لعرضها.
وفي مدخل المتحف على يمين داخل المتحف على الجدار الخارجي مثبت به بعض الأصناف من الأدوات المستخدمة قديمًا كالرحى وأدوات الزراعة عامة وغيرها، وهي معروضة بشكل رائع ومنسق يشد نظر الزائر والاستمتاع بمشاهدتها، وقد وجهت له سؤالًا عن تاريخ التأسيس والافتتاح؟
حيث أجاب بأن تاريخ التأسيس قال: كنت مولعًا بجمع التراث الشعبي منذ الصغر؛ لأنها كانت هواية ولا زلت وكان حلمًا؛ فأصبح واقعًا ولله الحمد الذي حققت هذا الأمر إلا أن تاريخ التأسيس الفعلي كان عام 1426هـ أما تاريخ الافتتاح فكان في عام 1441هـ، وهو يتكون من متحف تراثي ومن مجلس تراثي وغرفة أخرى تحوي العديد من الأصناف لم يتسع المكان لعرضها وإن شاء الله تكون في أقرب وقت.
وعند دخولي إلى المتحف التراثي الرئيسي، وجدت بعض المقتنيات الثمينة، والتي رتبت على جدران المحل بشكل منظم ومنسق، وتشاهد على بعد متر تقريبًا، والذي يفصلها حاجز من الزجاج للمارة حتى لا أحد يُلامس هذه المقتنيات من باب الحفاظ عليها.
وقد شارك معه بعض أبناء مجتمعه في عملية التنظيم، وذكر لي أنه كان يحظى بالكثير من التشجيع والمساندة والدعم المادي والمعنوي، وفي مقدمة هؤلاء رجل الأعمال عيدان بن موسى الخزمري وأولاده، والشاب المهندس محمد الزهراني ورجل الأعمال الأستاذ عبدالرزاق الزهراني اللذان كان لهما بصمة في عملية الترتيب والتنظيم؛ فلله درهما على ما قدما من جهد مادي ومعنوي لصاحب المتحف الذي أفادني بهذه المعلومة قائلًا: لا يشكر الله من لا يشكر الناس. وقد وجدت المتحف يحتوي على عدة أقسام منها صور قادة الدولة السعودية من المؤسس الملك عبد العزيز -رحمه الله- حتى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان؛ فرحم الله من مات وأمد بعمر من بقي منهم وصور بعض الشخصيات، وقسم خاص بأدوات الضيافة وأدوات السقاية والزراعة وأنواع البذور وأنواع الخزفيات، وبعض الإلكترونيات ووسائل الاتصال القديمة والوسائل الإعلامية وبعض أنواع الأسلحة، وبعض الألبسة الرجالية والنسائية بأنواعها المختلفة من حلي وملبوسات، وذكر لي بأن عدد الأصناف أكثر من مائة وخمسين صنفًا وعدد القطع يزيد عن ألف قطعة بعضها تم عرضه، وبعضها باقي لم يعرض حتى يوضع لها مكان مخصص، وقد شارك في أكثر من خمس عشرة مشاركة وطنية ببعض هذه المقتنيات، ذكر لي منها مشاركة المتاحف التراثية في المعهد العلمي بالمندق، والمشاركة في المعهد العلمي بالباحة، والمشاركة في لجنة التنمية ببرحرح، والمشاركة في فرع الجامعة بالمندق، والمشاركة في لجنة التنمية بالنصباء، والمشاركة في قصر زهران ببلخزمر، والمشاركة في سوق عكاظ بمنتزه الفراشة، والمشاركة في مقر التأهيل الشامل مرتين، والمشاركة في قطاع التعليم بمحافظة قلوة مدرسة الشيخ ابن باز -رحمه الله-، والمشاركة في الساحة الشعبية بالمندق، والمشاركة بمنتزه البرج بالمندق كما حصل على العديد من الدروع وشهادات الشكر والتقدير.
وكان لزيارة صاحب السمو الملكي الدكتور حسام أمير منطقة الباحة، وله كلمة في سجل الزيارات مشيرًا إلى هذا الجهد المقدم في هذا المعلم السياحي، وكذلك بعض المسؤولين والشخصيات والأعيان أكبر دعم معنوي لهذا المتحف الذي يحتوي على العديد من المقتنيات التراثية التي جمعها من كل مكان كما يحتوي على صور بعض الشخصيات البارزة الذين زاروا المتحف، وكان لهم بصمة في عملية التشجيع والاستمرار، وكان هناك جهود لبعض المسؤولين والداعمين، ومن أبرز هؤلاء وكيل إمارة منطقة الباحة سابقًا الدكتور عقاب اللويحق، والذي كان له كلمة في سجل الزيارات تُكتب بماء الذهب، وذكر لي جهود فرع وزارة الطرق بالباحة وبلدية محافظة المندق التي قامت بسفلتة الطريق الموصل إليه وإنارته وتنظيم مواقف للسيارات، وهناك مشاركات إبداعية لنجوم الشعر في بلاد زهران وغامد خاصة والجنوب عامة من شعراء غامد وزهران، وذكر لي أن أغلب الشعار زاروا المتحف منهم الشاعرعبدالله البيضاني والشاعر الدكتور عبد الواحد الخزمري، والشاعر أحمد الكناني والشاعر فاضل الزهراني، والشاعر صالح اللخمي والشاعر رياض الخزمري والشاعر أحمد الدرمحي، وأعتذر عمن سقط اسمه سهوًا، ومن لم يذكر اسمه وإليكم مشاركة بعض الأشعار بمناسبة زيارة المتحف.
مشاركة الشاعر أحمد الدرمحي
ياسلامي ياجودين يجملنا
سالم بن مرضي نحبه عسى يسلم
يوم جينا ه طربتنا تراحيبه
مئة وخمسين رجال والا اشكل
محتواه الا انت يامتحف الديرة
مشاركة الشاعر أحمد الكناني
يافخرناوالشرف يامتحف الديرة
ياحي لي من تراث وحيك المتحف
في الباحة في منطقة غامد وزهراني
عساك على القوة دمت وعشت ياسالم
يا الجيد اللي تجملنا تراحيبه
هذا غيض من فيض، وقد ودعت صاحب الموروث الشعبي؛ سائلًا الله له طولة العمر وتمام الصحة، وأن يديم علينا نعمة الأمن والاستقرار، والله ولي التوفيق.
بقلم أ/ حمدان عبدالله العماري
بارك الله فيك استاذ حمدان من يقرأ المقال يعيش اللحظة التي عشتها وصف بليغ يشعر القارئ بأنه كان مرافق لك في هذه الزيارة كفيت ووفيت وانصفت هذا المعلم الذي يحتاج الى الدعم من الجميع
قلم سيال وفكر نير وسرد ممتع من كاتب مبدع.
لا عدمناك ابا فارس ولا حرمنا الله من ابداعك المتجدد وعطائك الفياض كنهراً جارٍ بالماء العذب القراح. لك الحب والتقدير ونتمنى أن نقرأ من ابداعك المزيد….