قال صاحبي: للصورة الذهنية تأثيرها الكبير في إيجاد انطباع عن الدول والمنظمات وحتى الأفراد، تتراوح بين التصور الإيجابي، أو السلبي، أو المحايد، ولكل منها تأثيره على سلوك الفرد تجاه الطرف الآخر، فما الصورة الذهنية، وما أبرز مكوناتها وكيفية صناعتها، والحفاظ عليها؟
سعدتُ خلال الأيام الماضية بالمشاركة في دورة مدربي الصورة الذهنية المعتمد لدى برنامج مدربي سلام للتواصل الحضاري، باختصار كانت دورة ثرية بمعلوماتها، وبالزملاء الكرام الذين تشرفت بمعرفتهم، واستفدت من خبرتهم من متدربين ومن فريق سلام المؤهل ليس بالمعرفة والتميز في التنظيم، بل وبصناعة صورة ذهنية إيجابية عن المنظمة التي ينتمون إليها.
تحتل الصورة الذهنية مكانة مهمة، وخطوة أولى في تشكيل الانطباع الأولي، وتحويله إلى صورة نمطية يصعب تغيرها فيما بعد، ولذا ينصح المختصون جميع من يهمهم النجاح في أعمالهم، وبناء سمعة حسنة لمنظماتهم أو دولهم بإعارة الصورة الذهنية عناية خاصة، ومراقبة مستمرة، والتدخل السريع لمعالجة أي خلل قد يطرأ عليها، فهي الناتج النهائي للانطباعات الذاتية التي تتكون في أذهان الأفراد عن الدول والمنظمات، لكنه قابل للتشكيل والتعديل.
ينجح البعض في رسم صورته الذهنية الجيدة في عقول الآخرين، وهو لم يقدم إلا القليل، ولكن لديه إدارة علاقات عامة مهنية متخصصة، تجيد بناء الصورة الذهنية وتسويقها، بينما لا يحصل البعض الآخر على هذه الصورة الحسنة، ولا يحظى باهتمام وتقدير الجماهير المتعددة، رغم تقديمه خدمات متنوعة وفريدة، ولكنه لا يمتلك جهاز علاقات عامة مؤهل، يبرز هذه الأعمال بطريقة مهنية جاذبة.
إحدى القواعد الرئيسة التي حددها إيفي لي – أبرز الآباء المؤسسين للعلاقات العامة- هي “إذا فعلت خيرًا فأظهره للناس” شكلت هذه القاعدة مفتاحًا سريًا لكل من يرغب في رسم وتشكيل صورته الذهنية في عقول جماهيره الحالية والمرتقبة، ومع التطور في مختلف المعارف والفنون، واشتداد المنافسة، وظهور وسائل الإعلام ذات الأجندات المتعددة، ووسائل الاتصال بتطبيقاتها المتنوعة، وقدرتها على صناعة الإشاعة، والأخبار الزائفة، لم تعد هذه القاعدة وحدها كافية لرسم الانطباع الحسن؛ بل لا بد أن يعضدها عدد من الخطوات المهمة، والتي تكمل بعضها في رسم الصورة المرغوبة في أذهان الجماهير.
وهذا يعني أن العلاقات العامة في أي منظمة تنشد النجاح والتميز، ليست نشاطًا عشوائيًا، بل عملًا مخططًا، ومقصودًا، ولأن بناء الصورة الذهنية مسؤولية مشتركة بين الجميع، لكن إدارتها، وقياسها، والمحافظة عليها، يقع عبئها الأكبر على منظومة العلاقات العلامة، التي يجب أن تكون قريبة ومرتبطة فعليًا بالإدارة العليا للمنظمة، حتى تحظى برامجها بالدعم والتأييد بمختلف أشكاله، وهذا يستلزم إيمان الإدارة العليا بمهام ووظائف العلاقات العامة، وإخراجها من دائرة الصورة النمطية التي حبست بداخلها عقودًا طويلة في الوطن العربي، فهناك فرق كبير بين عمل العلاقات العامة، والخدمات العامة.
فعلى سبيل المثال تلجأ الدول للتعاقد مع شركات العلاقات العامة العالمية ذات الخبرة من أجل إدارة سمعتها الدولية، وإعادة رسم صورتها من خلال العمل على تغيير الخطابين السياسي والإعلامي السائدين، لتحقيق مكاسب سياسية، واقتصادية، فالرئيس الأمريكي، لا يصل للبيت الأبيض إلا من خلال مروره ببوابة العلاقات العامة، كما أن الشركات العابرة للقارات توظف برامج العلاقات العامة التسويقية، من أجل الوصول لأسواق جديدة، وللمحافظة على صورتها الذهنية، ومواجهة السلع المنافسة، والحفاظ على عملائها من التسرب لشركات أخرى، من خلال تفعيل برامج الولاء وغيرها.
الموضوع طويل ومهم جدًا، دفعني له أمرين، أحدهما ذكرته في بداية هذا المقال، والآخر مقطع فيديو تشاركه معي الزميل عبدالله بن أحمد الزهراني رئيس تحرير هذه الصحيفة، وهو عبارة عن استقبال طلائع الحجاج السودانيين، وحديث أحد المسؤولين في شركة الطوافة، بكلمات تدرس، بل يجب أن يؤهل لها كل من يتحدث إلى وفود حجاج بيت الله الحرام، فالحديث صناعة، وهو أول ما يستقبل به الحاج، فهي ليست كلمات عابرة بل مستقرة في ذاكرته، يحفظها ويرويها لأهله وأصحابه، وكل من يسأله عن الحج، الذي صرفت فيه الأموال الكبيرة من أجل راحة الحجاج، ولكن هذا لا يكفي في زمن وسائل الاتصال، والكلمة المصورة العابرة للحدود.
قلت لصاحبي:
العلاقات العامة الناجحة.. لا تتثاءب.. وامنح صورتك الذهنية ما تستحقه من عناية واهتمام.