على مدى أربعة عقود (١٤٠١-١٤٤١) عايشت رحلة الحج والحجاج في المدينتين المقدستين والمشاعر المقدسة، وكنت شاهد عيان على مسيرة التطوير التي شملت كل موقع يمكن أن يقصده ضيوف الرحمن أو يمرون به.
وأذكر أن أول حجة لي عقب وصولي إلى المملكة عام ١٤٠١، كانت المشاعر المقدسة (منى، مزدلفة، عرفات) عبارة عن صحراء قاحلة يصعب البقاء فيها خمسة أيام بلياليها، خيام عشوائية ينصبها الحجاج كيفما اتفق ومياه متدفقة في العراء تفاقم مشكلة الإصحاح البيئي في تلك الأماكن، فضلًا عن السيارات الصغيرة والكبيرة تزاحمها شاحنات يستخدمها البعض سكنًا ووسيلة تنقل، إضافة إلى صعوبة الاتصالات.
ولكن شتان بين الأمس واليوم، حيث الخيام الحديثة المكيفة الهواء، والمضادة للحريق، بجانب العمائر متعددة الطوابق في “منى”، التي تكاد شوارعها تخلو من حركة السيارات، باستثناء سيارات الجهات الخدمية الضرورية، وذلك بعد تشغيل قطار المشاعر المقدسة.
وعن جسر الجمرات يطول الحديث، حيث تعددت طوابقه بما ييسر حركة الرماة، ويحد من حوادث التدافع التي كان يروح ضحيتها أبرياء خصوصًا من كبار السن.
ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى قدرة المملكة الفائقة في إدارة الحشود، مما كان له كبير الأثر في تحقيق هذه النتائج الإيجابية ..
ورغم تواصل تنفيذ المشاريع التطويرية في الحرمين الشريفين والمدينتين المقدستين والمشاعر المقدسة، إلا أن حركة أفواج الحجيج ظلت كما هي، انسيابية واتساق متماهي تأكيدًا على الخبرات الكبيرة المتراكمة عامًا بعد آخر بما يمكن الجميع من أداء مناسكهم في يسر وسهولة..