يوم القر هو يوم (١١) من ذي الحجة واليوم الأول من أيام التشريق الثلاثة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وهو اليوم الذي يأتي بعد يوم عيد النحر الذي قام فيه الحجاج بأكثر أعمال الحج وحلو من إحرامهم، ولم يبقَ لهم إلا المبيت في منى رمي الجمرات وإقامة أيام التشريق بها في عيد وأكل وشرب وذكر لله -عز وجل- إلا من تعجل في يومين فلا إثم عليه.
وكان لأيام الحج أسماء، وهي الثامن التروية والتاسع يوم عرفة، ويسمى يوم الوقفة والعاشر يوم الحج الأكبر، ويوم النحر ويوم العيد ويوم الأضحى، ويسمى الطواف يومه طواف الإفاضة للإفاضة من منى إلى مكة وطواف الزيارة لأن الحاج مقيم بمنى، وإنما يزور مكة طائفًا أو طائفًا وساعيًا، وقيل لأن الإنسان في الوقوف في عرفة كأنما اغتسل من ذنوبه، وفاز بمغفرة ربه والعتق من النار، وقد قام يوم العيد بمعظم أعمال الحج فأذن له ربه بزيارة بيته فسمي طواف الإفاضة بطواف الزيارة، ويسمى أيضًا بطواف الفرض وطواف الركن وطواف الصدر، ثم يعود الى منى ويقر بها.
واليوم الحادي عشر يوم القر والثاني عشر يوم النفر الأول، ويسمى يوم الرؤوس لأن الناس كانوا يأكلون فيه رؤوس ما ذبحوا من الهدي والأضاحي.
والثالث عشر يوم النفر الثاني من منى إلى مكة للمتأخرين.
والرابع عشر قيل يسمى يوم الزينة ولم يصح.
وفي يوم القر اليوم الأول من أيام التشريق كان نبي الله -صلى الله عليه وسلم- بائتًا في منى ومقيمًا يومه بها فتحرى الزوال فخرج إلى الجمرات الثلاث فرمى الصغرى؛ فوقف بعدها ودعى الله كثيرًا ثم رمى الوسطى فدعى الله كثيرًا ثم رمى الكبرى وانصرف رمى كل واحدة قذفًا بسبع حصيات بحجم الخذف أي أكبر من الحمص وأصغر من البندق يكبر مع كل واحدة، ولا يشترط أن يصيب الشاخص، وإنما مكان الرمي وهو الحوض لأنه إنما شرع الطواف والسعي والرمي إلا لذكر الله في أماكن يعبد فيها بما شرع، ويظهر العبد فيها الانقياد والخضوع والتذلل اتباعًا لسنة الخليل وهدي المصطفى -عليهما السلام-، وكان -عليه السلام- يرميهن من بطن الوادي ومنى على يمينه ومكة إلى يساره، وكانت جمرة العقبة آنذاك في سفح الجبل قبل تهذيب الجبال في عهدنا السعودي الزاهر تسهيلًا للناس بعد زيادة أعدادهم بالملايين، بينما كان من حج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحو مئة ألف مسلم، وإنما سميت بالجمرات لتجمر الناس أي تجمعهم لرميها وللجمار التي ترمى بها.
ثم عاد إلى منزله من منى، وكان -صلى الله عليه وسلم- قد أنزل المهاجرين يوم العيد في قبلة المسجد والأنصار من ورائه والناس حولهم، وقيل للمهاجرين يمين الوادي والأنصار في يساره، ونادى رسول الله عليه السلام في الناس بمنى بعدم الصيام وأنها أيام عيد وأكل وشرب وذكر لله سبحانه؛ حيث شرع التكبير فيها مع الرمي، وبعد انقطاع التلبية بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد، فكانت منى تضج بالتكبير (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد).
إن النظر بعين البصيرة إلى حال الحج في المشاعر المقدسة واجتماع جموع الحجاج الغفيرة المقدرة بالملايين في زمن واحد وأماكن محددة كمكة وعرفات ومزدلفة ومنى، وهي أودية صغيرة محدودة المساحة محاطة بالجبال أمر يضاعف المسؤولية والجهود على الجهات المسؤولة والمنظمة لموسم الحج والمؤسسات الحكومية والأهلية الأخرى.
غير أن عناية ملوك المملكة منذ عهد المؤسس -رحمه الله- وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين حفظهما الله بموسم الحج واعتزازهم بخدمة الحرمين الشريفين وحجاج بيت الله الحرام جعل الحرمين والحج والحجيج في أولويات استراتيجيات دولتنا المباركة، وذلك بعمارة المسجد الحرام والمسجد النبوي وإعمار المدينتين المقدستين وتطويرهما، وتوفير أرقى الخدمات لقاصديها من الحجاج والزوار والعمار، وإيجاد الأنظمة والخطط والاستراتيجيات التنظيمية والتطويرية والتنفيذية التي سعت لإيجاد بنية تحتية فائقة الجودة ومرافق عالية التطور، وخدمات عصرية في ظل منظومة حج متكاملة لم يسبق لها مثيل عبر عصور التاريخ.
* أستاذ كرسي الملك سلمان بن عبد العزيز للدراسات تاريخ مكة المكرمة – بجامعة أم القرى